من رحم المعاناة الفلسطينية، من بين أزقة وحواري غزة الصامدة، أرسل لكم فخري بأهل غزة، أما أصحاب الظل فلست معنياً بهم، والعدو هو عدو الجميع، نعرفه جميعنا، سألقي بأسئلة مركزة حول ما يقوم به عدونا بالتفصيل؛ فنحن بحاجة أن يتبصّر هذا العالم، وأن يعي أن الدولة العبرية عدوة الجميع وليست عدوة العرق الفلسطيني السامي (هذه أكبر معاداة للسامية)، كما يتبجح هو نفسه ويضعها في سلم استعطافه للعالم.
قبل يومين أو أكثر تم استهداف مدنيين لجأوا إلى كنيسة العائلة المقدسة في غزة، ومن قبلها استهدفت كنيسة القديس برفيريوس العريقة في مدينة غزة، وهي ثالث أقدم كنيسة بالعالم بنيت قبل 16 قرناً، كما قصفت كنيسة الروم الأرثوذكس بغزة في أواخر شهر أكتوبر على يد آلات الاحتلال، ما أوقع مدنيين، أغلبهم مسيحيون، بين قتيل وجريح.
وإمعاناً في الألم تم استهداف 31 من مساجد غزة، بين تدمير كلي وجزئي، وبأضرار بليغة، المساجد هي بيت القصيد، وهي عروة المسلم، والقابض عليها بين علم واجتماع وصلاة وتهجد ومناجاة، بالإضافة إلى المدارس والبيوت والحدائق والساحات ووسائل الخدمة وغيرها.
آلة التدمير العبرية لا تفرق بين دور عبادة وغيرها؛ لأن عقيدتهم تضخم الأنا وتجعل الجنس العبري فوق كل شيء، وهو سابق لكل اعتبار، وكل ما يدور في الأرض صغير مقارنة بهم، ومن صنوف تفضيل النفس وإذلال الآخر هو إصابة العدو فيما يحب لتزيد آلامه وتكبر محنته.
تقول عقيدتهم (للتوضيح فقط) إنهم إذا أتوا إلى حرب يعرضون الصلح أولاً؛ فإذا استجاب الخصوم للصلح يعني هذا أنهم عبيد (أي هؤلاء الخصوم) يستعملونهم كيف يشاؤون، أما إذا أبدوا مقاومة فتقتضي المسألة محاصرتهم وضرب جميع ذكورهم بحد السيوف التي هي الآن آلة الحرب المعروفة كالصواريخ والقنابل وغيرها.
لكن ما بالهم لا يفرقون بين رجل وامرأة وطفل؟ ما هي العقيدة الأخرى التي تجعلهم يلوذون بها ويجعلونها سِفْرهم الآخر وآيتهم التي يستنجدون بها من عقاب الرب؟ كيف تقوى قلوبهم على استهداف الطفل والرضيع؟
ذكر الحاخام اليهودي يتسحاق شابيرا في كتابه "ما زال يوسف حياً" أن قتل الأطفال والرضع مسموح في حال شكلوا خطراً على اليهود الآن، أو ما سوف يقومون به عند كبرهم، حيث يُسمح باغتيالهم وهم رضع، وهي عقيدة ماسونية سادية دموية، وليست من الشريعة اليهودية في شيء، حيث الوصايا العشر لسيدنا موسى عليه السلام تحرم القتل وتحرم كل أشكال هدر الدم البشري واستخدامه، وهي مذكورة في الآيات 151-153 من سورة الأنعام بالقرآن الكريم.
أستغرب من هؤلاء القوم، وكيف لهم تصديق خزعبلات سطرها أحد الناقمين منهم على الدين؟ كيف لهم تصديق أن الله الرحيم يصدر منه شيء فيه قتل للبشرية كهذا؟ الكون لا يستقيم بهكذا فكر، خصوصاً وقد جاء عند المسلمين أن الله يباهي ملائكته بكثرة المواليد، كيف يصدقون أن الرسول المرسل "موسى عليه السلام" تصدر منه مثل هذه الأفكار؟ عليهم المقارنة فقط مع باقي الشرائع، بل على هؤلاء المتطرفين الجلوس مع حاخامات حركة "ناطوري كارتا" اليهودية، أما سيدنا موسى فبريء من كل هذا الهراء، حتى إنه لم يبق شيء قدسي في الشرائع (أي شرائع)، لأن الدين واحد وهو معلوم للجميع؛ فمنذ أبي الأنبياء الدين هو الإسلام، إبراهيم كان مسلماً وبعده جميع المرسلين، وبالتالي فإن جميع ما أتى به الرسل قبل محمد يُضَم إلى ما جاء في الإسلام فيؤخذ منه ما يتوافق معه لا ما يتنافر، مع علمنا ألا شيء يتنافر من الأخلاقيات.
هذا الحديث للذين يعتقدون أن ما تفعله الدولة العبرية مستند إلى عقيدة أتت من السماء، أما الأفكار الصهيونية والتي لا تستند إلى ذمة أو ضمير إنساني فيصيغها ما يسمى بالحاخام الصهيوني "مانيس فريدمان" في أحد لقاءاته بقوله إنه لا يؤمن بالأخلاقيات في الحروب، وهو يرى قتل المدنيين والأطفال والنساء والمواشي والزروع، وتدمير الأماكن المقدسة، ويعتبر ذلك هو الرادع الوحيد والثابت في عقليته للتخلص من ثبات الخصم (الفلسطينيين) ومقاومته، وقد اعتبر غير ذلك خَوَراً وهزيمة.
محاولاتنا توضيح ما يمكن أن يكون لبساً في عقل المواطن العبري لإيجاد تبرير للقتل العمد، ونحاول فيه معالجة أمراض الدولة العبرية لعل عاقلاً يُبصر ثم يكون مكسباً؛ فمن غير المعقول أن تخرج هذه الدولة بأقوال تناهض الدين وتناهض تعاليم الشرائع كلها ويكون الجميع معها، هذا لا يعقل، ولا يعقل المضي قدماً في مثل هذه السياسات الماسونية، ويطلب من المسلمين الرضا والخنوع، لا يعقل الرجوع إلى الزمن الغابوي الذي (باعتقادي) صيغت فيه تلك التعاليم، ومن باب أولى لا يمكن إخضاع العقول بقوة السلاح.
كيف تقتلون روحاً تجري بها الدماء رقراقة تعيش هانئة بين جدران منزلها الصغير؟! كيف تقبلون بفرح على نشر التفاهات وتعتبرونها إنجازاً؟! كيف تستطيعون النوم في منازلكم وأياديكم ملطخة بدماء حرة تدينكم وتنظر بعينيها تسألكم لماذا؟! لا أتحدث عن إلقاء قنابل بعشوائية فيمن تعتقدون فيه بمكان المقاومة، بل التعمد في ذلك، وفي قتل الأطفال وجهاً لوجه، كيف أزلتم بسابق ترصد أماكن لهو الأطفال ولعبهم؟! تلك الحوادث تصيب العاقل بالتطرف، كيف تحاولون الانضمام لركب دول التحضر وتقتلون الأنفس في كل موقف وآن؟! ماذا سيفهم أبنائي ومجتمعاتنا المسالمة من كل ذلك، وهي مجتمعات حية ترى وتسمع كل شيء؟! ما هي رسالتكم بالضبط؟
أفعالكم تهيج تلك المجتمعات وتضاعف أعداد المقاومين ولا تنقصها، فمجتمعاتنا العربية ما زالت بخير رغم حروبكم الثقافية طيلة كل السنين الماضية، الشر لا يبقى على الدوام، وما تفعلونه يضمر الشر، بل هو شر بعينه، والشر لا يُجنى منه سوى شر مثله، أين الساسة العبريون من فلاسفة أوروبا اليهود؟ تملؤون شعوبكم حقداً وكراهية، بينما هم يملؤون العالم معرفة ودراية.
كيف استطعتم قتل ذكريات رجل طاعن في السن لا يستطيع الاحتماء والجري من قصفكم؟! كيف دفنتم جذور عوائل برمتها ومسحها من السجل المدني؟! كيف تقصفون بيوت الآمنين؟! كيف قمتم بفظائعكم دون أن يرمش لكم جفن أو ينبض بداخلكم ضمير؟! كيف يُصور لكم حقدكم على أشخاص بعينهم (كما أعلنتم أهدافكم) وكأنكم تحاربون الشعب بأكمله؟! كيف صور لكم عقلكم أن محاربين أشاوس مثل هؤلاء قدموا على تلك الخطوة في السابع من أكتوبر الماضي ولا يضعون حساباتهم لكل شيء؟! ثم تأتون تختلقون مجاعة وظلماً وتضييقاً فوق ما كانوا يعانونه منكم طوال سنين، وكيف تحبون العتمة بقتل الصحفيين وتدعون أنكم أهل النور؟! هل يُعقل لهذا العالم تصديق افتراءاتكم؟! هل يعقل أننا نعيش في القرن الواحد والعشرين؟! أين اليهود العقلاء؟! أين أصحاب الذمم الذين يعرفون توراتهم بحق كما نعرفها نحن؟!
سياستكم خائبة، فأعداد الأطفال الذين يشكلون "مشروع شهيد" زادت في الوطن العربي والإسلامي، وسوف تزيد بموفور خيبة منكم لو أمعنتم في استمرار القتل العمد للدم العربي، ومن خارج فلسطين شاهد صغارنا مآسي إخوانهم في فلسطين، وبعضهم يتوعدكم ويثخن في الوعيد، يزداد أعداؤكم عدداً، أعداء تربونهم بأنفسكم وتضاعفونهم جراء سياسة التركيع غير المجدية؛ فهل ما زلتم ستتبجحون بالقوة والغطرسة؟!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.