مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب المجازر ضد الشعب الفلسطيني ينكشف كل يوم مدى هشاشة الدولة المارقة إسرائيل على كافة المستويات، بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، ما يطرح الكثير من الأسئلة حول مستقبل دولة الاحتلال، فرغم تبني الغرب لها في كافة المجالات العسكرية والاقتصادية، وتسويقه لروايتها وسرديتها الركيكة والزائفة فإنه لم يستطع إسعافها وتبييض صورتها الاستعمارية، على الأقل في الشارع الغربي، إذ أصبح أغلب الرأي العام يرى المجازر والهمجية التي ترتكبها إسرائيل بشكل واضح، إذ إن قادة الاحتلال لا يخفون دوافعهم في خطاباتهم وتصريحاتهم العنصرية والفاشية.
نبوءات نهاية إسرائيل
بينما تصدر إسرائيل بسرعة قرارات وقوانين تعكس عنصريتها المتصاعدة وفاشيتها، تظهر أصوات من قادة ومفكرين صهاينة تعبر عن آراء متباينة حول مستقبل الدولة. ورغم تنوع الآراء حول مستقبل إسرائيل، رسم المؤرخ الإسرائيلي بني موريس في لقاءات صحفية صورة قاتمة لنهاية إسرائيل كما يراها، وافترض أفقاً زمنياً لهذه النهاية المحتومة في رأيه.
ورغم أن مثل هذه التنبؤات قد لا تؤخذ على محمل الجد في الأوساط السياسية، فإن رؤية موريس لها صدى حقيقي في إسرائيل، فقد أمضى الرجل سنوات طويلة في دراسة تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي ودقائقه.
إذ لا يرى لإسرائيل أي مخرج، ولا مستقبل مستداماً لها كدولة يهودية. ويشرح بشكل واقعي اعتقاده بأن الأرض ستصبح دولة واحدة ذات أغلبية عربية؛ نظراً لأن العرب أكثر من اليهود بين البحر الأبيض المتوسط والأردن، وستصبح الأرض بأكملها حتماً دولة واحدة ذات أغلبية عربية، وأشار إلى أن إسرائيل لا تزال تدعو نفسها دولة يهودية، مستدركاً "إسرائيل لا تزال تدعو نفسها دولة يهودية، لكن حكمنا لشعب محتل بلا حقوق ليس وضعاً يمكن أن يدوم في القرن الحادي والعشرين، في العالم الحديث. وما إن تصبح لهم حقوق فلن تبقى الدولة يهودية".
انهيار إسرائيل داخلياً
إضافة إلى ما قاله بني مورس وغيره من المفكرين الإسرائيليين عن مستقبل إسرائيل، تجسّد بعض الأعمال الدرامية الإسرائيلية مثل فيلم "2048" المخاوف، والتفكير الذي يسيطر على المهاجرين الجدد من الصهاينة حيال نهاية محتملة لدولتهم. وهو الهاجس الذي يطارد كل مستوطن إسرائيلي؛ إذ تحدَّث الفيلم قبل عدة سنوات عن نهاية إسرائيل وزوالها من الوجود بذكرى مئويتها عام 2048، لا نتيجة لتهديدات خارجية، بل جراء تحلل وفساد مواطنيها اليهود، وهو ما يمكن إسقاطه على الانقسام الداخلي داخل الشارع الإسرائيلي، وتفشي العنصرية، وسيطرة اليمين المتطرف على مفاصل الحكم، وهو ما قد يعيد ذاكرتنا لكتاب "انهيار إسرائيل من الداخل" للمفكر المصري عبد الوهاب المسيري، إذ كشف كيف أن إسرائيل غارقة في بحر من المشاكل.
تلك القراءات والتوقعات توضح حقيقة مهمة، أن فكرة زوال إسرائيل ليست أمنية لكل فلسطيني فحسب، بل هي موجودة لدى الاحتلال ومستوطنيه أيضاً. من الجيد أن يأخذ البعض منا هذا التوقع كأمل للمستقبل، لكن يجب الإدراك أيضاً أن الاحتلال لن يزول من تلقاء نفسه، بل سيحتاج الكثير من العمل والنضال، لا من الفلسطينيين وحدهم، بل من العرب كلهم. وقد أشار المسيري لذلك بقوله: "إن القضاء على الجيب الاستيطاني لا يمكن أن يتم إلا من خلال الجهاد اليومي المستمر ضده. وما نذكره من عوامل يمكن توظيفها لمصلحتنا كما هي، وهي تبيّن حدود عدونا، وأنه ليس قوة ضخمة لا تُقهر، لكنها في حد ذاتها لا يمكن أن تودي به أو أن تؤدي إلى انهياره".
أشار المفكر الراحل عبد الوهاب المسيري في موسوعته "اليهود واليهودية والصهيونية" إلى أن مقومات الحياة في إسرائيل ليست من داخلها، وإنما من خارجها، مشيراً لعنصرين مهمين هما: الدعم الأمريكي بلا حدود، والغياب العربي أيضاً بلا حدود، وهذان العنصران هما اللذان يضمنان بقاء إسرائيل واستمرارها.
واليوم خلال الحرب على غزة تترافق هواجس الزوال والانقسامات الداخلية في إسرائيل، مع تغير الرأي العام الخارجي، والذي يضغط على الحكومات الغربية التي قد أعلنت منذ بداية الحرب دعمها المطلق للاحتلال ووحشيته، لكنها مع مرور الوقت واستمرار المجازر بدت أكثر عرضه لضغط الشارع المنحاز للشعب الفلسطيني ومأساته. إذ لم تعُد تقدر على التسويق لإسرائيل، ومزاعمها الكاذبة عن الديمقراطية والتحضر، إذ تظهر اليوم إسرائيل بشكل واضح للعيان بأنها احتلال ونظام فصل عنصري (أبارتهايد)، يُمارس كل أساليب القمع على الشعب الفلسطيني.
في ظل هذا التغيُّر في المزاج الشعبي الغربي، وانحيازه إلى حقوق الشعب الفلسطيني، ولو ببطء، تصبح إسرائيل تشكل عبئاً مالياً وأخلاقياً على الحكومات الغربية، ما قد يدفع في المستقبل إلى خفض هذا الدعم المطلق وتقويده.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.