أرسل الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) خطاباً إلى النادي الأهلي المصري المشارك في بطولة كأس العالم للأندية بالسعودية، محذراً من أن ارتداء لاعبي الفريق قمصاناً تحمل الرقم 72 خلال الإحماء قبل المباريات يمثل انتهاكاً لقواعد الفيفا التي تمنع أي شعارات سياسية أو دينية أو شخصية لأي سبب من الأسباب.
خبر يبدو عادياً، لكنه ليس عادياً بالمرة ويُسقط ورقة التوت الأخيرة التي تستر عورة أكبر وأقوى مؤسسة عالمية رياضية على الإطلاق، لماذا؟
دعونا أولاً نوضح قصة القميص رقم 72 الذي يرتديه لاعبو الأهلي المصري أثناء الإحماء قبل المباريات وخلال التدريبات، وهي لمن لا يعلم تخليد لذكرى جمهور النادي الأهلي الذين ماتوا خلال أحداث مباراة الفريق الشهيرة في الدوري المحلي ضد نادي المصري البورسعيدي يوم 1 فبراير/شباط عام 2012. فما الانتهاك الذي يمثله ارتداء اللاعبين لقميص تدريب يحمل الرقم 72 تخليداً لذكرى جمهورهم؟ لا أحد يعرف إلا السادة المسؤولون في الفيفا الذين أرسلوا خطاب التحذير شديد اللهجة للأهلي المصري قبل لقائه في نصف نهائي البطولة أمام نادي فلومينينسي البرازيلي.
وتعيد هذه الواقعة للأذهان قصة اللاعب محمد أبو تريكة، نجم الأهلي المعتزل، عندما سجل هدفاً خلال مباراة السودان ومصر في أمم أفريقيا 2008 ورفع شعار "تعاطفاً مع غزة" خلال احتفاله بهدفه في المباراة، إذ كانت غزة وقتها تتعرض لعدوان إسرائيلي غاشم، فنال أبو تريكة إنذاراً من حكم اللقاء، لكنه اكتسب مكانته في قلوب وعقول الملايين في المنطقة وحول العالم، رغم أن تصرفه لم يعجب الفيفا!
الشيء المشترك بين التحذير الموجه للأهلي الآن وإنذار أبو تريكة الشهير هو التوقيت، فكلاهما جاء أثناء العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة، إذ يرفض الفيفا أيضاً أن يعبر لاعبونا العرب والمسلمون عن تعاطفهم مع قضايا شعوبهم وعائلتهم الكبيرة، متحججاً بشعار "لا سياسة ولا دين" في كرة القدم، بينما يتخذ الفيفا نفسه موقفاً سياسياً منحازاً منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
الفيفا والاتحاد والاتحادات الأوروبية لم يرفعوا فقط شعارات سياسية مؤيدة لأوكرانيا ومتعاطفة معها في جميع المباريات، سواء للأندية أو المنتخبات وفي جميع البطولات، بل ذهبوا لأبعد من ذلك، إذ قررت الفيفا أيضاً حرمان الفرق والأندية من المشاركة في أي مسابقات قارية أو دولية ولا يزال الحظر قائماً، أين إذاً قواعد الفيفا التي تمنع أي تدخلات سياسية لأي سبب من الأسباب؟!
لماذا لم يتخذ الفيفا الموقف نفسه من إسرائيل التي تشارك كمنتخب وأندية في بطولات الاتحاد الأوروبي؟ أليست إسرائيل دولة محتلة تنتهك القانون الدولي والإنساني بمنتهي الفجر واللامبالاة؟! ألم يصدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارات تدين العدوان الإسرائيلي وتطالب بوقفه على الفور ضربت بها إسرائيل عرض الحائط؟!
إذا كانت أمريكا تستخدم الفيتو في مجلس الأمن الدولي لحماية إسرائيل، فما الذي يمنع الفيفا من تطبيق قواعده على إسرائيل منتخباً وأندية؟ّ!
أين الاتحاد العربي لكرة القدم مما يحدث؟ أين الاتحادات العربية والإسلامية بل واتحادات أمريكا الجنوبية أيضاً من هذه الازدواجية الصارخة في تطبيق قواعد الفيفا؟ لماذا يقبل مسؤولو تلك الاتحادات بهذا المنطق الغائب وبهذه الصورة الفجة في وقت يتواصل فيه العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين العزل في غزة والضفة أيضاً بصورة يصفها المنصفون بأنها "إبادة جماعية؟!
لا يتغاضى الفيفا فقط عن جرائم إسرائيل بحق الفلسطينيين، بل يتدخل لتأجيل مباريات منتخبها في تصفيات كأس العالم وأمم أوروبا، والأمر نفسه فعله الاتحاد الأوروبي (اليويفا) في بطولاته القارية.
رغم ما يحدث في غزة الآن من وحشية، على مرأى من الجميع، لا يرى الفيفا أن إسرائيل بمنتخبها وأنديتها تستحق الحرمان من المشاركة في المباريات حتى يتوقف العدوان، أسوة بما فعل مع روسيا عندما هاجمت أوكرانيا، رغم الفارق الكبير بين الحالتين من الأساس، لكن قد لا يكون هذا ذنب الفيفا وحده، فإذا هانت أرواحنا على من يتولون أمورنا إلى هذه الدرجة، ليس علينا أن ننتظر من الفيفا أو غيره من المؤسسات الدولية أن يقيم لأرواحنا أو قضايانا وزناً!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.