لقد انقضى أكثر من سبعين يوماً، ومازالت غزة تجد نفسَها غارقةً في واقع مروع من العدوان الوحشي. لقد عاث القصف دماراً بلا رحمة، خراباً في حياة الفلسطينيين، بينما يظل العالم متفرجاً صامتاً، لا يقدم سوى الكلمات الفارغة والإدانات وقليل من الاستنكارات، في تصريحات لا يمكن اعتبارها إلا خيانة لكل معاني الإنسانية. أكثر من سبعين يوماً والعالم غارق في التخاذل والوحشية والموت، تاركاً غزة وأهلها يُسحقون تحت أحدث ما أنتجت الحضارة من قنابل وأسلحة لا تترك أي شيء ينبض بالحياة في تلك الأرض المحاصرة.
الصمت المطبق لا يقتصر على أنقاض غزة؛ بل يتردد صداه عالمياً، ويكشف عن فشل الدول في التحرك ضد الوحشية. أما الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون فلا وجدان لدى نُخبهم تجاه الآخرين. وفي كل منعطف مهم أو حدث كبير لا يتورع رؤساء أمريكا عن الكذب الصريح لتضليل الرأي العام وتخويفه وتنميطه.
رغم أن الولايات المتحدة تتمتع بسلطة وقف الحرب، فقد اختارت بدلاً من ذلك أن تمارس كل السبل لاستمرار سحق غزة، ولم تكتفِ بالكذب والتحريض وتجريد الفلسطينيين جميعاً من إنسانيتهم، بل سارعت إلى تمهيد القبول بالمذبحة الإسرائيلية القائمة، فبجانب الدعم العسكري والمادي لم تفوت الإدارة الأمريكية فرصة لدعم الاحتلال، بدءاً من تسخير ماكينة الإعلام لأجل أكاذيب الاحتلال لاستخدامها حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، لإيقاف أي مساعٍ دولية تعمل على وقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة، مرسلةً بذلك رسالةً واضحة: لا صوت يعلو فوق صوت المذبحة، فدماء الأبرياء في غزة لا قيمة لها.
في قلب هذا الصراع يكمن الاختبار الأخلاقي الحقيقي للعالم، ويظهر سؤال المستقبل الإنساني بوضوح، والذي سيحدّد إن كنا سنسير باتجاه المزيد من المذابح والحروب أم باتجاه واقع مختلف.
إنَّ صمت العالم يحكي الكثير، ويعكس مدى هشاشة الحضارة التي يستند عليها البشر، إذ يعكس ضعف المنظومة الدولية وفشلها في حماية الأبرياء، فإذا استمر هذا الصمت سنرى مأساة غزة في كل مكان وزمان.
فطوال المعركة زوَّدت أقوى دولة في العالم الاحتلالَ الإسرائيلي بالأسلحة اللازمة لتدمير أطفال غزة والمدنيين الأبرياء. إن الحرب التي تُشن ليست ضد المقاومة فقط، بل ضد الأبرياء، ما يعكس الاستهتار الصارخ بحياة الإنسان.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يستهدف الاحتلال الإسرائيلي المنازل ويقتل الأبرياء في غزة؟ وهل حقق الاحتلال أهدافه في هذا القتال مع المقاومة؟ الجواب الذي لا يخفى على أحد هو لا. لأنه وبكل بساطة لم يبدأ التاريخ منذ السابع من أكتوبر، بل منذ أكثر من 75 سنة، حين بدأ الاحتلال في إبادة الشعب الفلسطيني ومحوه بشكل ممنهج.
لذلك سيظل العالم يراقب بصمت أو يدعم الاحتلال، بينما تقف غزة وحدَها، متروكةً لمواجهة عدوان وحشي يعمل على محوها.
أتذكر عندما اندلعت الحرب في أوكرانيا، اتَّحد زعماء العالم لإخماد النيران. وحتى الدول العربية تدخّلت للحصول لإيقاف الحرب، لكن عندما يتعلق الأمر بغزة يسود غياب واضح للتدخل، فوفقاً للمعايير الازدواجية للعالم، يبدو أن شعب غزة لا يستحق العيش بسلام وأمان.
بينما يغضّ العالم الطرْف مازلت أؤمن بأن غزة ليست وحدها، فقوّتها تنبع من مصدر أقوى بكثير من أي ترسانة عسكرية، قوة إيمان بقوى أعلى، لذلك مازالت غزة صامدةً بقوة الله تعالى وتأييده.
قد يكون تخلي العالم عن غزة حقيقة مريرة، إلا أن قوة غزة تكمن في روحها التي لا تُقهر، وفي اقتناعها بأنها ليست وحيدة، حتى عندما يتخلى عنها العالم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.