ارتفعت يدُ المندوب الأمريكي في "مجلس الأمن الدولي" اعتراضاً على مشروع القرار الذي قدمته دولة الإمارات لوقف إطلاق النار في غزة، فسقط القرار وتبخّرت معه كلُّ محاولةٍ لإحلال السلام في العالم.
لم تأبه الولايات المتحدة بآلاف الضحايا والجرحى خلال 70 يوماً من الحرب الإسرائيلية على القطاع المحاصَر منذ عقدين.. ناهيك عن أنها لم تحترم "قيمها" الداعية إلى السلام والديمقراطية والمساواة والحرية.
تسلّحت واشنطن بالـ"فيتو" الذي يمنحها تفويضاً لتقرر عن شعوب العالم متى يُقتلونَ ومتى يعيشون، ومنحت حليفتها "إسرائيل" رخصةً لا نهائيةً للقتل العشوائي.
لكنّ اللافت أنّ الفيتو الأمريكي سبقه مئات "الفيتوات" الروسية والصينية والفرنسية والبريطانية.. المناهضة للسلام! وهذا سيأتي ذكره.
حقّ الفيتو: قفزة عن الديمقراطية
الجدير بالذكر أنّ حقّ النقض، أو "الفيتو"، الذي تمنحه الأمم المتحدة للدول دائمة العضوية في مجلس الأمن منذ عام 1945، وهي "الولايات المتحدة، بريطانيا، روسيا، فرنسا والصين"، يعطي أياً منها حقّ رفض أي قرار مقدَّم للتصويت دون تقديم تبرير موضوعيّ لهذا الرفض.
ألا تتغنى الأمم المتحدة بالديمقراطية؟ لماذا لا يتمّ التصويت العادل على القرارات دون حصرية إلغائها بهذه الدول! أما من انتخابات "نزيهة" في الأمم المتحدة لاختيار دول الفيتو؟ وعلى أيّ معيار تمّ توزيع هذا الحق؟
وأقلّ الإيمان، في حال كانت المنظمة الدولية عاجزة عن كل ما سلف، أن تطلب تبريراً لنقض القرارات.. أو أن تعلن نفسها هيئةً عبثية لا فائدة منها.
فيتو واشنطن لصالح إسرائيل!
للمرة الثانية خلال أقل من شهرين، تمنع الولايات المتحدة وقف إطلاق النار بغزة لدواعٍ إنسانية. وهذا الفعل صارَ متوقعاً من هذه الدولة، التي استخدمت الفيتو لأكثر من 35 مرة لصالح إسرائيل، وفق الجزيرة.
إنّ الدعم السياسي اللامشروط الذي تقدمه واشنطن لحليفتها في المحافل الدولية عبر نقض أي قرار يدينها بجرائم حرب أو بالإبادة الجماعية، أو يدعوها لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، يطرح سؤالاً بديهياً: هل صارت إسرائيل تملك حقّ الفيتو كـ"دولة" سادسة؟
وإذا لم يكن هذا هو الحال، فإنّ على واشنطن أن تعيد دراسة موقفها "الفيتَويّ" الممنوح لإسرائيل، ليس شفقةً على الضحايا، لا سمح الله، ولكن احتراماً للمواطن الأمريكي وللقيم الأمريكية!
لماذا تُفرط روسيا في استخدام الفيتو؟
تعدّ روسيا الأكثر استخداماً للفيتو بين الدول الخمس، فقد استخدمت حقّ النقض بواقع 143 مرة، منها 17 مرّة لإنقاذ حليفها السوري، وفق الأمم المتحدة.
وإذ قدّمت قرارات عدّة لإدانة النظام في سوريا، أو لإدخال المساعدات إلى الشمال، رفع المندوب الروسي يده في كلّ مرة، وسقطت القرارات.
كما أنّ روسيا أقدمت على ضمّ 4 أقاليم أوكرانية إليها بُعيدَ غزوها العسكري لأوكرانيا عام 2022، وحمَت هذا الضمّ بالفيتو. وهي رفعت العقوبات عن القوات المسلحة التي استولت على السلطة في مالي عام 2021 بالحق نفسه، والقائمة تطول.
وتتذرع موسكو بأنها تستخدم الفيتو بموضوعية، لكنّ الوقائع تظهر أنها تفرط باستخدامه على سبيل الكيدية للعواصم الغربية!
فرنسا، بريطانيا، والصين: تصويت تبعيّ.
منذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945، استخدمت بريطانيا 32 مرة حقها في النقض، وغالباً كان بالتنسيق مع الولايات المتحدة. وقد صار بديهياً أن تصوّت لندن لصالح نقض القرارات التي لا تخدم السياسة الأمريكية، أو أن تمتنع عن التصويت على أقل تقدير. وهذا يرجع إلى أواصر اللغة والدم و"المصالح" المشتركة بين البلدين.
فرنسا هي الأخرى استخدمت حقها في النقض 18 مرة، وهي دائمة التعاطف مع الخطاب الأمريكي والتوجهات الغربية – الأمريكية. وفي تحليل المواقف، يبدو أنها تمتنع عن النقض لأنها تضمن أن تقوم واشنطن نيابةً عنها بالمهمة، فتحفظ ماء وجهها أمام الجماهير.. كيف لا، وهي جمهورية "الثورة" الفرنسية والحريات!
وبينما استخدمت الصين حقّ النقض 16 مرة، كان عدد منها متماهياً مع التوجّه الروسي، والمثالُ في الشرق الأوسط "سوريا من جهة وفلسطين من جهة أخرى" أعظم الأدلة. ولأنّ الصين على خلاف "ناعم" مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، تجد في الفيتو الروسي عزاءها.. ربّما!
الأمم المتحدة ومجلسها: أين الأمن؟
بعد أن سُقنا عدداً من الأدلة على فشل الأمم المتحدة ومجلس "أمنها" الذي يفترض به أن يحميَ "الأمن" لا أن يكون شاهد زورٍ يسهّل خرقهُ وتجاوزه، صار لزاماً على هذه المنظمة الدولية أن تحترم عقول الشعوب التواقة إلى.. لن أقول الحرية ولا الديمقراطية ولا حقوق الإنسان؛ لأنها "ترف" لا يُنال! لكن أقول إلى الحياة والعيش أقلّه، وإلى الأمن الذي تقول المنظمة إنها تحميه.
هل حمى هذا المجلس "الأمني" الشعب في أيّ دولةٍ على وجه الأرض؟ هل تحرّك لصرخات المعذّبين والمقتولين ظلماً وعدواناً وقهراً على أيدي الطغاة والمستبدّين؟ هل أدانَ هؤلاء حتى إدانة لفظية؟
هل أمّن المجلسُ الشعوب من بطش أعضائه الدائمين؟ ألم ترتكب فرنسا تجاوزات في أفريقيا؟ روسيا في سوريا وأوكرانيا؟ الولايات المتحدة بأفغانستان والعراق وفلسطين؟ الصين بحقّ الأقلّيات؟ بريطانيا في فلسطين والهند؟ ولو عددنا لما أسعفنا المِداد!
على الأمم المتحدة أن تعود إلى رشدها، وأن تعيد هذا التوزيع، غير العادل، لحقوق النقض.. وأن تحرر شعوب العالم من رحمة دول الفيتو الخمس!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.