تعتبر عملية استهداف المصور الصحفي سامر أبو دقة من قِبل طائرة إسرائيلية مسيّرة واستشهاده ظهر أمس الجمعة، 15 ديسمبر، جنباً إلى جنب مع إصابة وجرح مراسل الجزيرة وائل الدحدوح، واستشهاد جزء من عائلته قبل فترة وجيزة، فضلاً عن استهداف واستشهاد 92 صحفياً منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، واستهداف عائلات الصحفيين والمصورين، تعتبر بمجملها محاولة لاغتيال الشاهد والصورة، وتالياً الحقيقة، لكن دون جدوى لشعب مقاوم يوصف بأنه شعب الجبارين.
وكانت الشهيدة شيرين أبو عاقلة صرَّحت أكثر من مرة بأنها مستهدفة من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين؛ لأنها تغطي على الدوام جرائمهم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني. وتم اغتيالها بطلقة بالرأس من قِبل جيش الاحتلال وهي تغطي اقتحامه لمخيم الصمود في جنين، لترتقي شهيدة صباح الأربعاء 11/ 5/ 2022. وبعد عملية اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة يمكن الجزم بأن سياسة اغتيال الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين إنما تهدف إلى تغييب حقيقة إسرائيل العنصرية، ومجازرها ضد الشعب الفلسطيني، التي لم تتوقف البتة منذ إنشائها عام 1948.
ومن الأهمية الإشارة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي قتل 104 صحفيين منذ العام 1967 وحتى 2014، بينهم 19 صحفياً برصاص الاحتلال خلال العدوان على غزة في العام المذكور. وسجلت لجنة الحريات في نقابة الصحفيين عشرات الاعتداءات من قِبل الجيش الإسرائيلي، ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى استشهاد الصحفيين ياسر مرتجى وأحمد أبو حسين، خلال تغطيتهما لمسيرات العودة عند الشريط الحدودي لقطاع غزة قبل عدة سنوات، ومنذ العام 2018 أصيب 97 صحفياً بالرصاص الحي جراء استهداف جنود الاحتلال لهم، بالإضافة إلى 89 إصابة مباشرة بقنابل الغاز المسيل للدموع، و52 حالة اعتقال في سجون الاحتلال.
كما أكدت النقابة أن جرائم الاحتلال الإسرائيلي أسفرت عن استشهاد أكثر من 46 صحفياً منذ عام 2000، وعدد كبير من الجرحى والمعتقلين، وتحصي النقابة بشكل سنوي ما بين 500 و700 اعتداء احتلالي وجريمة بحق الصحفيين الفلسطينيين، لكن اللافت استشهاد (90) صحفياً منذ بدء العدوان وارتكاب المجازر في قطاع غزة، كمحاولة إسرائيلية لتغييب الصورة الحقيقية.
وآن الأوان لهذه الجرائم أن تتوقف، وأن يُحاسَب مَن ارتكبها ومن أصدر الأوامر لتنفيذها. واللافت أن عملية ملاحقة واغتيال الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين من قبل الجيش والموساد الإسرائيلي تعدّت الجغرافيا الفلسطينية، لتصل يد الغدر والاغتيال لتطال عدداً كبيراً من الإعلاميين في الخارج، وفي مقدمتهم الإعلاميان ماجد أبو شرار وحنا مقبل. وخلال فعاليات مؤتمر التضامن مع الشعب الفلسطيني، والذي حضره روجيه غارودي وفانيسا رديغريف والمطران هيلاريون كابوتشي في روما، في التاسع من أكتوبر 1981، استشهد ماجد أبو شرار إثر اغتيال مدبر من خلال انفجارٍ في غرفته في فندق فلورا، بسبب قنابل زرعها عملاء الموساد، ليُدفن ماجد في مقابر الشهداء في بيروت، وقد رثاه الشاعر محمود درويش في ديوان "في حضرة الغياب"، كما افتُتحت مؤسسة ماجد أبو شرار الإعلامية تخليداً لاسمه، وهي منظمة تعمل من أجلِ تمكين الشباب في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان، في حين تمّ اغتيال الصحفي والإعلامي الفلسطيني حنا مقبل من قبل جهاز الموساد في قبرص، صباح يوم الخميس في الثالث من مايو عام 1984، وهو القائل "مَن يناضل من أجل فلسطين هو فلسطيني وإن ولد في الهنولولو، ومن لا يناضل ليس فلسطينياً ولا علاقة له بفلسطين وإن ولد في القدس"، ويعتبر حنا مقبل من أبرز رجال الفكر والإعلام في الثورة الفلسطينية، وكان نموذجاً للمناضل الوطني الملتزم بقضيته وتطلعات شعبه، كان يأخذ من الثقافة سلاحاً مقاتلاً، وقد شغل مديراً عاماً لوكالتي القدس برس والشرق برس للخدمات الصحفية في نيقوسيا.
ومن نافلة القول إن الانتهاكات الإسرائيلية وعمليات اغتيال الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين التي طالت أخيراً الشهيد والشاهد المصور سامر أبو دقة، وقبله العشرات ومنهم شيرين أبو عاقلة هدفها تكميم الأفواه، والحيلولة دون إيصال الصورة الصحفية الحقيقية لجرائم إسرائيل للعالم، وسيبقى الشهداء رموزاً لآلاف من الصحفيين والإعلاميين الشباب لنقل الحقيقة عبر الصوت والصورة حتى رحيل المحتل الإسرائيلي، ولتبقى راية فلسطين خفاقة، فالصحفي الفلسطيني شاهد، وكذلك مشروع شهادة ومقاومة، وشعب الجبارين لن ينكسر وسيتنصر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.