أبو عُبيدة.. الملثّم الذي نعرفه

عربي بوست
تم النشر: 2023/12/15 الساعة 12:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/12/15 الساعة 12:04 بتوقيت غرينتش
المتحدث الإعلامي باسم كتائب عز الدين القسام أبو عبيدة/ الشبكات الاجتماعية

لم تكن شخصيّة أبي عبيدة، النّاطق باسم كتائب القسّام، شخصيّة جدليّة، فهو ناطق باسم جماعة من مقاتلين يقاتلون باسم العروبة والدّين، إنّه ابن مدينة غزّة، ينام في حواريها، ويستيقظ فجراً على صوت مآذنها، ويأكل من سمك شطآنها، يعرفه منْ حوله، ويعرف من حوله، باللّثام ودونه ندركه، فنحن -العربَ المهزومين- ننتظر من يلعب بعواطفنا لنعطيها إيّاه، فأصحاب المعالي من حكّامنا جعلونا نكبّر لهم بعد الله، وهم ما حملوا بندقيّة إلا ليصيدوا بها طائر الفري الحزين. فجاء أبو عبيدة وغيره ليزرع فينا روح التّفاؤل، ويبشّرنا بفتح قريب، بعد أن خُوّفنا بجيش إسرائيل الّذي لا يهزم. 

نعرفك يا أبا عبيدة وندركك، حالنا مثل حال الفارس العربي عنترة عندما لبست عبلة قناعاً، فخاطبها:

إنْ تغدفي دوني القناع فإنّني ** طَبٌّ بأخْذ الفارس المستلئم

فعنترة ذلك الفارس العربيّ المغوار يقابل عبْلة الجميلة ملثّمةً فيخاطبها مستهزئاً: أنا من يقاتل الأبطال الدّارعين بأسلحتهم، أأعجز عنك يا عبلة؟! ونحن يا أبا عبيدة ضعاف نتكئ على حافة الإهانة لننحرف إلى مآلات الذلّ. وإن كان عنترة عرف عبلة عن قوّة فنحن عن ضعف عرفناك، نعرفك لأنّ من ولد منّا، وتدرّب في مدارس الخنوع لم يهتف إلا لحاكم ما صنع انتصاراً، ولم يبجّل إلّا جيوشاً أدارت مدافعها للخلف، علّمونا أنّ السّيف لا يصنع إلا من خشب، وأنّ التّاريخ لا يعاد، وأنّ البندقية وحش كاسر تقتل من يستخدمها لغير ساحات الأعراس فرحاً بعريس، أو إيذاناً بطهور.

إن تغدف دوننا القناع نعرفك يا أبا عبيدة، أنت من زفّ لنا مقتل العشرات من مرتزقة الاحتلال، أنت من أبسمتنا بعد أن خذلناكم بوصفكم مقاتلين تحملون راية الإسلام التي تبتعد، ولكن لا تزول.

بالمقابل وإن كان أبو عبيدة صوت الأمة المقهور ورمزها المفقود؛ بدأ إخوتنا الأعداء ينظرون إليه بوصفه أيقونة انهزام، وأنّ هذا الصوت ما هو إلّا ذبذبات الهزيمة المنتظرة، فاستبشروا بموته عمّا قريب؛ إذ نسي هؤلاء العرب المتخاذلون ماذا تعني مقاومة، وماذا يعني احتلال، فأمطرونا بحروب الرّقص الماجن؛ أرادوا أن يسجلّوا مآثر رقصهم في سجلات التّاريخ ليأتي الأحفاد لا يتذكّرون من أجدادهم إلّا هزّات خصورهم، وصليات البوتوكس على وجوههم. 

جاء أبو عبيدة بكوفيّته يستبشر منّا نصرةً ونستبشر منه انتصاراً، وما كانت نصرتنا إلّا مكاءً تفرّ منه دجاجات الحقل. ولكنّا ننتظر الانتصار الّذي نريد، انتصار الصّمود في وجه أقوى جيوش العالم بعتادهم وتقنياتهم، وها هم أبطال المقاومة يصنعون الصّمود ويصنعون الانتصار، ولا ضرر أن نشاهد دبّابة أمام حيّ، أو مدرّعة أمام منزل، فما كانت هذه الآليّات إلا تثبيتاً لحقّ المقاومة المشروع، فهؤلاء الأبطال من يخوضون المعارك ويدمّرون دبابات الميركافا وناقلات النّمر، رموها بحجر وهم صغار، ويرمونها بالياسين 105، والياسين أدهى وأمرّ.

لو لم يوجد أبو عبيدة لوجد آباء آخرون ينقلون لنا صورة الحريّة ومشاهد الانتصار، ليس أبو عبيدة من صنع أيقونة المقاومة المستمرّة، بل المقاومة روح نفخت بأجساد تثأر إذا لزم الثأر، وأيّ ثأر أشدّ من أن نثأر لمقدّساتنا السّليبة، وديننا المستباح، ونسائنا اللائي مثّل بهن وبأبنائهنّ.   لعلّ الطّوفان ما جاء من فراغ، فما يحصل الآن سيحصل أشدّ منه، ولكن جاء الطوفان ليبيّن عورات المحتل السيّئة والقبيحة والذّليلة. وليثبت أنّ من خرج من غزة ودخل غلافها ووصل إلى أبعد أرض قد كبّر في أرضه المسروقة مردّداً ويلات الثأر الذي يريد، وليس الذي يريده المتهاونون:

لا يشربون دماءهم بأكفّهم ** إنّ الدّماء الشافيات تكال

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سالم الترابين
باحث في السياسة والفلسفة
باحث في السياسة والفلسفة
تحميل المزيد