في 14 ديسمبر/كانون الأول 1987، تأسست حركة "حماس" على يد مجموعة من قادة جماعة الإخوان المسلمين في قطاع غزة، كان أبرزهم الشيخ أحمد ياسين.
أصدرت حركة "حماس" ميثاقها الأول عام 1988، حيث عرّفت نفسها بأنها جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين، وقالت في الميثاق الأول إنها تعتبر أن "منهجها منه تستمد أفكارها ومفاهيمها وتصوراتها عن الكون والحياة والإنسان، وإليه تحتكم في كل تصرفاتها، ومنه تستلهم ترشيد خطاها".
كما عرّفت نفسها بأنها "حلقة من حلقات الجهاد في مواجهة الغزوة الصهيونية، تتصل وترتبط بانطلاقة الشهيد عز الدين القسّام وإخوانه المجاهدين من الإخوان المسلمين عام 1936، وتمضي لتتصل وترتبط بحلقة أخرى تضم جهاد الفلسطينيين وجهود وجهاد الإخوان المسلمين في حرب 1948، والعمليات الجهادية للإخوان المسلمين عام 1968 وما بعده".
وفي أحداث غزة وبين تناقضات الموقف المصري المرتبك تجاه غزة تأتي تصريحات وزير الخارجية المصري عن حماس بأنها ذات أيديولوجية ومرجعية إسلامية وأنها من أحد مكونات جماعة الإخوان المسلمين، في حين يقرر بأن جماعة الإخوان المسلمين مصنفة في مصر جماعة إرهابية يقول في نفس السياق بأن حماس حركة تحرر وطنية!
ولا أدري سبب تلك التصريحات الرسمية ولا تناقضاتها، إذ كيف لأصل إرهابي أن يخرج منه فرع وطني وحركة تحررية؟ في حين كانت حماس في مرمى نيران الإعلام المصري لفترة زمنية طويلة منذ ثورة يناير وحتى قبل الحرب في غزة بوقت قصير!
وتحمل "حماس" شعاراً نصّت عليه الوثيقة وهو: "الله غايتها، والرسول قدوتها، والقرآن دستورها، والجهاد سبيلها، والموت في سبيل الله أسمى أمانيها". ومن أبرز أهداف الحركة التي ذكرتها الوثيقة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وتحرير الأرض وإقامة دولة إسلامية.
هذا التناقض والتخبط في التصريحات المصرية الرسمية المعلنة دلالة على الارتباك في كيفية التعامل مع المشهد السياسي الإقليمي والدولي، فمن ناحية يرى النظام العسكري في مصر ضرورة للتعامل مع حركة المقاومة الإسلامية حماس للحفاظ على أمن وأمان إسرائيل يجد نفسه في ورطة في كيفية تصنيف الأصل الأيديولوجي لحركة حماس، فيما يتعامل مع أصل الحركة على أنها جماعة إرهابية بينما الفرع منها حركة تحرر!
الرسالة الأخرى
هي تحذير المجتمع الدولي أوروبا وأمريكا وبريطانيا من النتائج التي تترتب على نجاح المقاومة الإسلامية في فرض واقع جديد ومختلف وانتصار، يعيد جماعة الإخوان المسلمين بكل كيانها ومؤسساتها وخبراتها وتنوعها وروحها وعطائها في العالم بديلاً عن النظام العالمي البئيس.
لقد طرحت حماس مفهوماً جديداً للجهاد والمقاومة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وهو مفهوم الجهاد وهو أرقى من مفهوم الحرب الدينية، حيث تم استخدام ذلك المصطلح استخداماً مشوّهاً وتصدير فزاعة الإسلاموفوبيا في العالم.
بينما مفهوم الحرب الدينية لدى المشروع الصهيوأمريكي هو إبادة الطرف الآخر وشيطنته والاستيلاء على أرضه وعدم وجود أي مساحة للتعايش والتسامح؛ فإن مفهوم الجهاد لدى الإخوان المسلمين وبالتبعية حركة المقاومة الإسلامية حماس هو تحرير الأرض وإقامة العدل والحرية والكرامة الإنسانية والتعايش الحضاري الإنساني مع الآخر في ظل ثوابت عقدية وسياسية إسلامية تضمن الحقوق والحريات والأمن على أسس واقعية محمية ومضمونة بتعاليم الإسلام الحنيف.
نجاح المقاومة الإسلامية في ترسيخ فكرة الجهاد بأخلاق الإسلام يؤكد صحة منهج الإخوان المسلمين في التربية وصياغة الفرد المسلم وتربيته على قواعد ومبادئ الإسلام لتقديم نموذج للشخصية الإسلامية المتماسكة والمتوازنة نفسياً وأخلاقياً وسلوكياً وجهادياً.
لقد انزعج النظام العسكري في مصر من نجاحات المقاومة في كسب جيل كامل من الشباب الأوروبي والأمريكي والعربي، وأصبحت القضية الفلسطينية حاضرة في كل المنتديات وكل التجمعات الدولية بصورتها الشفافة.
احتفالات مختلفة في ذكرى تأسيس حركة المقاومة الإسلامية حماس:
وبعد مرور 36 عاماً على تأسيس حركة المقاومة الإسلامية حماس تحتفل المقاومة الإسلامية في هذا العام احتفالاً خاصاً بتدمير قدرات إسرائيل المزعومة والقضاء على أسطورة الجيش الذي لا يقهر وقهر كبرياء هذا الجيش وكشف عورات إسرائيل من الداخل المترهل وغير المتجانس.
تحتفل حماس بكشف زيف الحرية والعدالة في أمريكا وأوروبا وبريطانيا وضعف المؤسسات الدولية وعدم قدرتها على تنفيذ أي قرار أو اتخاذ قرار مناسب وتفعيله.
تحتفل حماس بكشف عورات جميع الدول العربية ومدى حالة الضعف والتخاذل والعمالة والتبعية المطلقة للمشروع الصهيوني!
تحتفل حماس بوقف المشروع الصهيوني الاستيطاني للمنطقة وبعثرة كل المخططات الاستيطانية والاستعمارية ووقف التطبيع المجاني من الدول العربية مع إسرائيل وإعادة طرح القضية دوليا وإقليمياً.
لم يحلم قادة حماس بكل تلك النتائج المبهرة والمدهشة، ولم تكن في حساباتهم غير استباقية بسيطة للضربة بسحب 20 أسيراً إلى غزة للتفاوض حول إنهاء معاناة المعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي التي تجاوزت 40 عاماً لبعض الأسرى المحتجزين لديها.
لكن من أقدار الله أن تذهب الحرب إلى زاوية أخرى غير التي تم التخطيط لها كما حدث في يوم بدر عندما خرج المسلمون لاعتراض قافلة تجارية، بينما تنجو القافلة وتتحول الساحة إلى معركة الفرقان التي كانت محطة فارقة بين الحق والباطل ليبدأ الحق في العلو والانتشار والانتصار.
إمكانيات الاحتلال الإسرائيلي كانت متواضعة للغاية وهشة يواري هشاشتها بروباجندا إعلامية كاذبة، حتى انكشف الغطاء، بينما كانت قدرات حماس العسكرية مدهشة للغاية لدرجة اندهاش القيادة السياسية في حماس والقيادة العسكرية في إسرائيل.
كشف المحلل العسكري الإسرائيلي يوآف زيتون، لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن قيادات وجنود الجيش الاسرائيلي يعبرون يومياً عن اندهاشهم من مدى قوة حركة حماس وكتائب عز الدين القسام المسلحة.
وقال زيتون: "هم (أي كتائب القسّام) عبارة عن جيش حقيقي تم تأسيسه على مرمى حجر منا، أو على بعد لا يتجاوز مسافة 50 دقيقة بالسيارة من تل أبيب، وعلى مدى السنوات الماضية".
ونقل زيتون عن ضابط كبير في لواء النخبة "غولاني"، قوله إن "حماس وضعت أقوى كتائب لها في الشجاعية في غزة، المسلحون الذين ولدوا ونشأوا في تلك الأحياء مرتبطون بها ولن يهربوا منها أو يتخلوا عنها، إنهم يفضلون الموت على الاستسلام. ومن الناحية العملية، سنحتاج إلى حوالي 6 أشهر لتطهير الشجاعية بالكامل".
ومن هنا نستطيع أن نقرر أن حركة المقاومة الإسلامية حماس قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أهدافها بطريقة مدهشة، وأصبح زوال الاحتلال الإسرائيلي المحتل على مدى قريب لاعتبارات تاريخية وتحليلات ميدانية، وأن ما يحدث ميدانياً وعسكرياً بمقاييس وتحليلات عسكرية قد تجاوز تحقيق المعجزة من المستحيل، وما في أيدي المقاومة من إمكانيات لا يمكنه منفرداً تحقيق كل تلك الإنجازات!
حماس على مقربة من الاحتفال بمرور 40 عاماً على تأسيسها يتوافق مع اقتراب مرور 100 عام على تأسيس جماعة الإخوان المسلمين وما بين الأربعين عاماً والمئة عام سيكون ذكرى احتفال بزوال إسرائيل المزعومة وزوال عروش كل الأنظمة الديكتاتورية المنبطحة التي يرتبط مصيرها وجوداً وعدماً بوجود إسرائيل المزعومة كما صرح بذلك نتنياهو!
ومن البشريات من خلال استشراف المستقبل القريب يقول محمد حسنين هيكل إن إسرائيل ستزول بعد أول هزيمة عسكرية لها، وما يحدث ميدانياً وعسكرياً هو هزيمة مؤلمة بكل مقاييس الحروب.
ويقول الشيخ أحمد ياسين إن زوال الاحتلال الإسرائيلي سيكون ما بين عام 2027 وعام 2028 من خلال استقراء للتاريخ والقرآن الكريم.
لقد حطمت المقاومة الإسلامية في غزة وجه إسرائيل المهدور وكبرياءهم المنهزم، وهذا ما يعبر عنه في القرآن الكريم بإساءة الوجوه ثم من بعد الإساءة دخول المسجد الأقصى كما دخلوه أول مرة.
كل تلك الأحداث مجتمعة تؤكد أن حماس حققت الكثير من أهدافها بطريقة مدهشة وكذلك جماعة الإخوان المسلمين ترى ثمار غراسها قد نضجت وأينعت واقترب يوم قطافها ليسعد العالم كله بنظام عالمي جديد ومختلف.
وإن غداً لناظره قريب، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.