المقاومة بالفن التشكيلي.. إبراهيم هزيمة وإبراهيم مؤمنة نموذجاً

عربي بوست
تم النشر: 2023/12/12 الساعة 10:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/12/12 الساعة 10:51 بتوقيت غرينتش
الفنان الفلسطيني إبراهيم هزيمة/ الشبكات الاجتماعية

رغم الاحتلالات التي مرّت على فلسطين فإن الشعب الفلسطيني أبى الخنوع، فاستمرّ في الحفر عميقاً لترسيخ هويته الوطنية وتجذيرها على كافة الجبهات، ومنها جبهة الفن التشكيلي، من خلال رسومات لها دلالة على الارتباط بالوطن والشعب الفلسطيني، الذي قاوم خفافيش الظلام من المحتلين عبر تاريخ طويل، وآخرها الاحتلال الإسرائيلي الذي سيزول بكل تأكيد، ومن بين هؤلاء الفنانين الراحلين إبراهيم هزيمة وإبراهيم مؤمنة، فما هي سيرة كل منهما؟

إبراهيم هزيمة 

نَعَته الكاتب يوسف الشايب في عنوان مقالةٍ نُشرت في صحيفة الأيام الفلسطينية يوم الجمعة 29 سبتمبر 2023 بجسر فلسطين إلى العالم، وهو كذلك، إنه الفنان التشكيلي الفلسطيني الراحل إبراهيم هزيمة، وُلد الفنان هزيمة في عكا في فلسطين عام 1933، وتُوفي في برلين في 27 سبتمبر 2023. وعلى إثر حرب النكبة عام 1948، لجأ مع عائلته إلى سوريا، تحديداً إلى اللاذقية في الساحل السوري، في سن الخامسة ظهرت موهبته الفنية، حين جلس يراقب فنانة أوروبية في مقهى والده أثناء عملها، وهناك تطوّرت موهبته. تتلمذ على يد الأستاذ عبد الرحمن قباني، وقد انضمّ هزيمة لنادي الموسيقى الفني في اللاذقية، حيث تمكَّن من المشاركة في النشاطات الفنية للنادي، وفي عام 1952 فاز بجائزة النادي الموسيقي الفني، وتسلمها من قبل مصطفى فروخ.

إبراهيم هزيمة
إبراهيم هزيمة 

في عام 1960 حصل على منحة من جامعة لايبتزغ الألمانية، وتخرج فيها عام 1967، وحصل على الجنسية الألمانية، وأقام في ألمانيا حتى وفاته، ولم يتوقف عن القيام بمعارض فنية متعددة في ألمانيا، تبرز من خلالها سرديته الفلسطينية في الفنّ في مواجهة زيف الرواية الصهيونية لاحتلال فلسطين. واللافت أن العديد من أعماله اعتُمدت كطوابع وملصقات فلسطينية وصورة خارجية لمجلة شؤون فلسطينية، ومن لوحاته لوحة الانتفاضة، ولوحة الانتظار، ولوحة القدس بعد المطر، وفلسطين بلد أحلامي. عام 1979 انتُخب عضواً في الأمانة العامة لاتحاد الفنانين التشكيليين، وأصبح مسؤول العلاقة الخارجية فيه، وبين الأعوام 1968-1974 عمل في إذاعة برلين الشرقية كمسؤول للصداقة الألمانية العربية ومذيع لبرنامج الفنّ والأدب، وعمل مع الصليب الأحمر في برلين بين الأعوام 1974-1991، ويعتبر الراحل الفنان إبراهيم هزيمة، الذي حاز جوائز عديدة، من أهم الفنانين التشكيليين الفلسطينيين الذين عاصروا النكبة وتداعياتها، واستطاع المساهمة بفنه الراقي في تجذير الهوية الوطنية الفلسطينية واستمرارها كعنوان لشعب سينتصر. 

إبراهيم مؤمنة

دأب اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الكدّ والعمل والدراسة، جنباً إلى جنب مع ترسيخ الهوية الوطنية، والدفاع عن قضيتهم بوسائل متاحة، ومن بين هؤلاء الفنان التشكيلي الفلسطيني الراحل إبراهيم مؤمنة، الذي ينحدر من قرية ترشيحا، في قضاء عكا، وهو من مواليد مخيم النيرب بحلب شمال سوريا عام 1957، وتوفي بعد جهود كبيرة في مجالات العلم والفن، يوم الإثنين 4 سبتمبر 2023 في سوريا، وقد درس المراحل الابتدائية في حلب، واستكمل دراسته الجامعية في مجال الفن التشكيلي، قسم النحت، في جامعة دمشق حتى العام 1984.
كان عضو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، ونائب رئيس الاتحاد العام للفنانين التشكيليين الفلسطينيين في سوريا، وكان عضو الجمعية المتحدة لرعاية الآداب والفنون. وقد شارك في كافة معارض الفنانين المشتركة داخل سوريا وخارجها منذ عام 1982، وله ثلاثة معارض فردية في سوريا. وعمل مهندساً للديكور في الدراما التلفزيونية السورية، ورغم تخصصه في فن النحت فإنه مقلّ بأعماله النحتية، بسبب ضيق المكان كما يقول، والنحت يحتاج لفضاء واسع.

إبراهيم مؤمنة
إبراهيم مؤمنة

 اعتمد التصوير الزيتي والمائي والأكريليك في إنتاج أعماله الفنية، وكان الناقد الفني الراحل عبد الله أبو راشد قد قال في فراءة نقدية "الفنان التشكيلي الفلسطيني (إبراهيم مؤمنة) فنان مهموم بقضايا الفن من زاويته المهنية، التي تجعله حالةً فنيةً تشكيليةً لصيقة بميادين الصحافة الفلسطينية، ومسارب التصميم والإعلان والإخراج الصحفي، لاسيما أغلفة المجلات الدورية الفلسطينية التي عمل في فلكها، ورسم ملصقات تبعاً للمناسبات الوطنية المتنوعة، والمتوافقة وأنشطة فصائل حركة المقاومة الفلسطينية"، وهذا الأمر جعله يُغادر ميدان دراسته الأكاديمية في مجال فن النحت إلى العمل الصحفي كواجب وطني، وقد تجلّى ذلك في إعلام الفصائل الفلسطينية، كما عمل بشكل جاد مخرجاً فنياً لعدد من الدوريات الفلسطينية. واللافت أن لوحات الراحل مؤمنة وملصقاته كانت مُنحازةً لنضاله الإنساني والوطني الفلسطيني في مواضيعها المتنوعة، وتقنياتها متعددة الخطوط والملونات. استحضر الراحل مؤمنة في أعمال كثيرة أشجار قريته، وطبيعة ترشيحا التي كانت معشوقته حتى رحيله، كما كانت معشوقة أهالي القرية الذين هُجّروا قسراً تحت وطاة المجازر الصهيونية إلى لبنان وسوريا.

وتبقى الإشارة إلى أنها ليست مصادفة أن نسرد قصة لفنانين تشكيليّين من عكا وقضائها في الوقت نفسه، فلكل قرية ومدينة فلسطينية قصة ورواية صمود ومقاومة على جبهات عدة، ومنها الفن التشكيلي، الذي يُعتبر من أرقى الفنون في العصر الحديث.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

نبيل السهلي
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
تحميل المزيد