عن الجزار نتنياهو وشركائه!

تم النشر: 2023/12/06 الساعة 10:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/12/06 الساعة 10:51 بتوقيت غرينتش
نتنياهو

يبحث نتنياهو عن تحقيق رقم قياسي جديد بعد 7 أيام انقضت من الهدنة الإنسانية واستئناف الهجوم على قطاع غزة. وقد أعلن عن هذا الرقم الجديد الذي يريد تحقيقه، عبر صورة نشرها في حسابه بتطبيق إكس، ومن الصورة يتضح معدل قتل الأطفال في المعسكرات النازية على أيدي هتلر؛ مقارنة بالعدد الذي قتل منهم في هذه الحرب بمعدل 178، وهو أكبر من عدد قتلى النازيين من الأطفال في معسكرات الاعتقال الذي لم يتخطَّ 127، وبهذا افتخر نتنياهو لكونه جزاراً أكثر من هتلر. 

ولم يعد باستطاعته إخفاء إعجابه بهتلر، ولو أزال هذه الصورة التي أتحدث عنها من حسابه في إكس لن يستطيع إزالة صورة الجزار التي رسمها عن نفسه في أذهان العالم من خلال حربه على قطاع غزة، وأظن أن كلمة الجزار أصبحت مصطلحاً سياسياً يحمل دلالات، ومن تلك الدلالات أن الجزار معه جزارون آخرون، وأن هؤلاء الجزارين لا يملكون أي قيم ولا يتقيدون بأي أخلاق، وجيشهم المتوغل في شمال غزة وجنوبها أيضاً مثلهم لا يؤمن بأي قيم ومفلس أخلاقياً.

والقتل بالنسبة لهم مجرد وسيلة للدفاع، والمجتمع الدولي شرع لهم القتل في سبيل الدفاع عن النفس، وإدارة بايدن بدورها تشرع لهم وسائل القتل وتمدهم بالأدوات وتجد لهم المبرر الأخلاقي لعمليات القتل والمجازر التي يرتكبونها في غزة. وبلينكن شريك في هذا النزاع ومعه بايدن، وبالتالي تتوسع دائرة الجزارين لتشمل إدارة بايدن المفلسفة أخلاقياً، والتي لم تقف موقفاً أخلاقياً من هذه الحرب على الرغم من تجاوز إسرائيل كل القوانين الدولية والإنسانية والقرارات الأممية كذلك.

في بداية الحرب كان نتنياهو يتحدث بلسان السياسي الغربي المؤمن بالحرية وحقوق الإنسان والقيم الليبرالية المحفوظة في الديمقراطيات الغربية، وكان يردد شعارات هذه الحرب، ويعطي غلافاً سياسياً أيديولوجياً لطبيعة المتحاربين، حيث وضع نفسه في مكان الرجل المتحضر الذي يتحارب مع الرجل البربري، وفصل هذه الرؤية المتأصلة في الثقافة الإمبريالية بطابع ميتافيزيقي يهودي يقدس الحرب ويمجد النور مقابل نزع الإنسانية عن الآخر الذي يمثل الظلام.

وتابع هذا النهج حتى انتهى إلى الإنسان المتحضر الذي يحارب بشكل متحضر، وبالتالي صنع لنفسه ذاتاً حضارية في خطاباته السابقة. وقد شاهدنا ذلك الجيش المتحضر الذي هاجم المشافي في شمال قطاع غزة، ودكّ الجرحى بالصواريخ، واعتقل الأطباء، وألقى القنابل على النازحين داخل المباني التابعة لمنظمات الأمم المتحدة. وشاهدنا كذلك تدمير المراكز الثقافية ودور العبادة. ومثل هذا السلوك رأيناه بصورة ممنهجة وقد كشف النزعة البربرية لهذا الجيش المتحضر وهمياً!

في تاريخ الحروب، وحتى المجتمعات البدائية قبل التاريخ لم تكن تتحارب بمثل هذه الوحشية التي تحرك جيش الاحتلال، وحتى النازيون في حروبهم لم يقصفوا المستشفيات ولم يدمروا عمارة باريس بعد احتلالها في الحرب الغربية الثانية، وقد نجح نتنياهو بالتفوق على الجيوش النازية في وحشية القتل والخروج على القيم والأخلاق والأعراف، وعاد إلى طبيعة الإنسان المتوحش الذي تحدث عنه هوبز، ذلك الإنسان هو الذي نشاهده الآن ينتشر في شمال قطاع غزة وجنوبها.

وذلك الإنسان لا يؤمن بأي قيم إنسانية، وقد مكنته العقلانية الأداتية بهذه الوسائل المرعبة وساعدته على تنفيذ جرائمه وقتل الأطفال والنساء بطريقة مشروعة. وبهدف القضاء على حماس يقتلون 16 ألف إنسان جلهم من الأطفال والنساء، ويهدمون مدينة كبيرة ويشردون مليون إنسان، يرتكبون مثل هذه المجازر أمام العالم الذي يعتقد أنه متحضر، ويحاصرون أكثر من مليوني إنسان، ويمنعون عنهم الطعام والوقود والدواء، يفعلون ذلك لأكثر من شهرين، ولم يقدم هذا العالم على منعهم أبداً. 

حكومة نتنياهو لم تعد تخفي حقيقة التطرف، والنازية التي يؤمنون بها قولاً وفعلاً. وقد عبّر إلياهو قبل ذلك عن الإنسان المتوحش الذي بداخله عندما وضع القنبلة الذرية على الطاولة كحل نهائي لهذه الحرب، ولم ينكر غالانت نظرته المتطرفة لسكان غزة وتأكيده بأن الحرب مع حيوانات بشرية، ونتنياهو يوافقه في هذه الرؤية المتطرفة، والآن ظهر بشكل نازي وأفكار نازية، ويتعطش للدماء ويواصل تلبية رغبات الإنسان المتوحش الذي بداخله ويتصارع مع الإنسان النازي. 

هذه إبادة جماعية. وأدوات الإبادة وفرتها إدارة بايدن ونفذتها حكومة نتنياهو، وما نشاهده في قطاع غزة ليس حرباً، بل مجزرة، وصاحب هذه المجزرة يعيد ارتكاب جرائم النازية بأبشع الأدوات، ويستمر في تنفيذ عمليات القتل والتدمير وهو يعيد التاريخ الهتلري بتمجيد. ونتنياهو لا يخفي حقيقة الإنسان المتوحش الذي يؤمن به، ولا يمل من تمجيد الأفكار الهتلرية، فهو يعيد كتابة "كفاحي" بالمنطق البنيوي كموت المؤلف، وينصّب نفسه بطلاً في هذه الحرب المتعطشة لقتل الأطفال.

وقبل أن ألقي القلم من يدي أود التأكيد على أن تصريح بلينكن يوم أمس، وتبرير قتل الاحتلال للمدنيين بأنه غير مقصود، ليس أمراً جديداً، فعن أي إنسان مدني يتحدث عنه بلينكن؟ وهذا بالطبع يعيدنا للنقد ما بعد الكولونيالي والثقافة الماضوية الممتلئة في التاريخ السياسي الغربي، وعقلية احتلالية وثقافة إمبريالية تتصارع في أذهان إدارة بايدن، وهنا يأتي المبدع إدوارد سعيد عندما ناقش موضوع الثقافة والتاريخ المظلم من الاحتلال والإمبريالية الغربية في كتابه "الثقافة والإمبريالية"، وبالتالي العودة إلى النقاش المتعلق بالمركزية الأوروبية والبقاء داخل هذا الغطاء المؤدلج.. ونهاية هذه المجزرة لن تكون عن طريق إدارة بايدن الإمبريالية، ولا عن طريق حكومة نتنياهو المتطرفة، الحل الوحيد هو سحق كتائب القسام لذلك الجيش الاحتلالي المتوغل في أرضها.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إدة جعفر مولاي الزين
كاتب وصحفي موريتاني
تحميل المزيد