أنشأ الغرب الاستعماري دولة أبارتايد جديدة، وهي إسرائيل، على القسم الأكبر من مساحة فلسطين التاريخية في الخامس عشر من مايو/أيار 1948، ومنذ ذلك الحين سعت إلى استحضار حليف قوي له وزنه في إطار العلاقات الدولية؛ وذلك بغية المزاوجة بين إمكاناتها الذاتية وبين الدعم الخارجي لها، وتعزيز شكل من أشكال القوة بغرض استكمال بناء المؤسسات الإسرائيلية وتوفير المقومات الاقتصادية والبشرية والعسكرية الضامنة للتصدي لما تسميه إسرائيل بالتحديات الخارجية، في وقت باتت فيه تمتلك خياراً نووياً، هذا جنباً الى جنب مع تبني الغرب رواية الدولة المارقة ودعمها بها، واتضح ذلك بشكل جلي خلال العدوان على قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس.
السلاح النوعي
اتجهت إسرائيل أيضاً إلى التحالف مع فرنسا في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين كمصدر أساسي لتسليح جيشها، وخاصة طيران الميراج، كما استطاعت إسرائيل بناء علاقة وطيدة مع ألمانيا الغربية سابقاً، واستفادت من الدعم الألماني المتميز في المجالات العسكرية والاقتصادية حتى منتصف السبعينيات من القرن المنصرم، وقد سبق تلك العلاقات اعتماد الحركة الصهيونية ووليدتها إسرائيل على الدعم البريطاني في المجالات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية بشكل مطلق، وخاصة دبابات السنتوريون، وبعد التوسع الإسرائيلي في يونيو/حزيران 1967 تغيرت البوصلة في الاتجاه الأمريكي، لتصبح العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل استراتيجية بالمقارنة مع علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع الدول الأخرى في العالم، وظهرت المساعدات الأمريكية المباشرة وغير المباشرة لإسرائيل على أنها السمة الأساسية في إطار العلاقات الأمريكية الإسرائيلية؛ ويكمن السبب في رسم تلك العلاقات في الدور الذي تقوم به إسرائيل في إطار المصالح الأمريكية السياسية والاستراتيجية في الشرق الأوسط من جهة، فضلاً عن توسع نشاط اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية ودوره في المحافظة على التأييد الأمريكي لإسرائيل في كافة المستويات العسكرية والسياسية والدبلوماسية، بغض النظر عن الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض، وقد موّلت أمريكا إسرائيل إبّان حروبها وعدوانها على الدول العربية بالاعتماد على المساعدات الأمريكية السنوية اللوجستية والطارئة، وهي بالتالي -أي أمريكا- شريك لإسرائيل في إرهابها وعدوانها المستمر على الشعب الفلسطيني.
دعم مطلق
بعد أن أصبحت أمريكا الحليف الاستراتيجي لإسرائيل؛ باتت المساعدات الأمريكية لدولة الأبارتايد الصهيونية أحد أهم وأبرز مؤشرات العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، فتجاوبت الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عام 1967 مع الاستراتيجية التي تقوم على تطوير التحالف مع إسرائيل وترسيخه في مختلف الميادين السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والدبلوماسية، وقد تجلى ذلك في الدعم الأمريكي لإسرائيل في أروقة المنظمة الدولية، واستخدام حق النقض الفيتو ضد أية محاولة لإصدار قرار يدين ممارسات إسرائيل واعتداءاتها المتكررة على الشعب الفلسطيني، وذهبت الإدارات الأمريكية الى أبعد من ذلك في إفشال إصدار أي قرار دولي يدين الأعمال التعسفية والإرهابية لإسرائيل في المنطقة؛ ومن أهم ملامح الدعم الأمريكي لإسرائيل في المستوى السياسي والدبلوماسي دعمها الدبلوماسي والسياسي لإسرائيل، وسياسة الضغط المستمر على المنظمة الدولية التي أُجبرت على إلغاء القرار الدولي الذي يوازي بين العنصرية وإسرائيل، بيد أن المساعدات الأمريكية لإسرائيل برزت بكونها السمة الأهم في إطار الدعم الأمريكي لإسرائيل، فحلَّت تلك المساعدات العديد من الأزمات الاقتصادية الإسرائيلية مثل التضخم في منتصف الثمانينيات من القرن المنصرم، كما حدّت من تفاقم أزمات اقتصادية أخرى، ناهيك عن أثرها المهم في تحديث الآلة العسكرية الإسرائيلية، وتجهيزها بصنوف التكنولوجيا الأمريكية المتطورة، من طائرات وغيرها، وبالتالي تمويل العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني والمنطقة؛ ومن المقدر أن تصل قيمة المساعدات الأمريكية الحكومية التراكمية المباشرة لإسرائيل إلى 167 مليار دولار بحلول عام 2030، منها 60% على شكل مساعدات عسكرية، و40% كمساعدات اقتصادية؛ وإذا احتسبنا المساعدات غير المباشرة من الولايات الأمريكية وكذلك مساعدات الجالية اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل السنوية، فان قيمة المساعدات الأمريكية الإجمالية المباشرة وغير المباشرة ستصل إلى نحو 210 مليار دولار أمريكي بحلول العام المذكور.
ومن خلال ما تقدم يعتبر الغرب صانع إسرائيل وداعمها وشريكها في عدوانها وإرهابها ومذابحها المستمرة على الشعب الفلسطيني، في وقت يتبنى فيه الغرب الرواية الإسرائيلية ويعممها على نطاق واسع، والمشهد ماثل للعيان والمتابعين بشكل جلي؛ لكن مع تطور ثورة المعلومات استطاع الفلسطينيون ومناصروهم إيصال الرواية الحقيقية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبدأنا نشهد تحولاً ملحوظاً في المزاج العام الغربي الى جانب الحق الفلسطيني، وتالياً الضغط المتدرج والمتنامي على الحكومات بغرض تغير موقفها وانحيازها للحق الفلسطيني.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.