في نسيج الحياة المعقدة، تكثر الاختلافات؛ في المعتقدات، والبوصلات الأخلاقية، وأساليب العيش وفلسفتها، وأساليب مواجهة التحديات. ويتجلى أحد هذه الفروق العميقة في الانقسام بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة، مما يكشف عن تناقض لا يمكن إنكاره في مواقفهم الأخلاقية.
لقد أحدثت تصرفات المقاومة، خاصة في معاملتها للأسرى، موجات من الصدمة للعالم؛ مما أدى إلى تساؤل جماعي حول المفاهيم المسبقة؛ وإذ أصبح الكثيرون على مختلف منصات السوشيال يتساءلون بتردد: هل يمكن أن يكون هذا صحيحاً؟ ألا يتم تصنيف حماس ومقاومتها في كثير من الأحيان على أنها منظمة إرهابية؟ لكن ما حدث أظهر واقعاً يتحدى هذه التصورات.
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تمت معاملة الأسرى الذين تحتجزهم حماس بمستوى من الرعاية يتحدى السرد التقليدي المحيط بالمنظمات الإرهابية. وتم تزويدهم بالمعدات الطبية الأساسية والإعاشة والمعاملة الإنسانية. لقد أظهرت المقاومة مستوى أخلاقياً عالياً، يتناقض بشكل صارخ مع المعاملة البغيضة التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي تجاه الأسرى الفلسطينيين الذين يقبعون في سجون الاحتلال.
وفي أعقاب عملية طوفان الأقصى، عانى الأسرى الفلسطينيون من محنة مروعة؛ حيث جُردوا من ملابسهم، وحُرموا من الاكل، وتُركوا ليتحملوا ظروف التجمد على الأرض الجرداء؛ وواجهوا الإهانات والإساءات اللفظية والعنف الجسدي على أيدي المحتلين. ويسلط هذا الاختلاف الصارخ في معاملة السجناء الضوء على الانقسام الأخلاقي الصارخ بين الكيانين.
إن التناقض الصارخ بين أخلاقيات المقاومة والاحتلال الإسرائيلي يصبح أكثر وضوحاً في أعقاب إطلاق سراح رهائن حماس. لقد شهد العالم عرضاً من التعاطف والرعاية التي تحدت التوقعات. وأظهرت مشاهد الوداع من الأسرى الإسرائيليين وهم يودعونهم بابتسامات، حتى إنهم يلوحون لمقاتلي كتائب الشهيد عز الدين القسام بأيديهم. إن المعاملة الإنسانية التي امتدت إلى الأسرى، بمن فيهم الرجال والنساء والأطفال وحتى الحيوانات، تركت بصمة لا تُمحى.
حتى الحيوانات والأطفال والنساء الذين كانوا في عهدة المقاومة تم الاعتناء بهم، حيث ظهروا بصحة جيدة ودون أي أثر للإجهاد. ويتناقض هذا التناقض الصارخ مع الرواية التي تروجها وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية، والتي رسمت صورة لحماس باعتبارها مرتكبة العنف الجسدي واللفظي ضد الأسرى.
وبعيداً عن الكاميرات نشرت رسالة لأسيرة إسرائيلية قد تركتها قبل أن ترحل لمقاتلي المقاومة عبرت فيها عن امتنانها، على اللطف والرعاية وتوفير الضروريات. وقالت: "لقد عاملونا بلطف ورعاية، وقدموا لنا الطعام والدواء والعلاج"، متحدية الرواية المسبقة عن الوحشية.
وتعتبر هذه الرسالة وثيقة تاريخية تعلق في سجلات الإنسانية التي لا يتمتع بها الاحتلال الإسرائيلي، ومن خلال ذلك توالت ضربات كتائب القسام الإعلامية من خلال إظهار سموهم الأخلاقي والإنساني في تعاملهم مع الأسرى الإسرائيليين من النساء والأطفال.
إن الهوة بين أخلاق وسلوك المقاومة والاحتلال الإسرائيلي واسعة ولا يمكن إنكارها. لقد كشفت المقاومة الفلسطينية عن الجوهر الحقيقي للأخلاق الإسلامية، موضحة أن الإسلام دين الرحمة والعطف والإحسان. إن ما أظهرته المقاومة للعالم يتجاوز الحدود السياسية، ويقدم نظرة عميقة إلى المبادئ العالمية للإنسانية والرحمة المتأصلة في أخلاق المسلمين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.