لا شكَّ في أن الاقتصاد العالمي شهد تأثيراً هائلاً نتيجة للأحداث والتطورات المختلفة خلال السنوات الثلاث الماضية، بدءاً من جائحة كورونا، والإغلاقات الاقتصادية التي تبعتها، ما أدى إلى تقلبات في أسواق السلع.
هذا بجانب الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، تلا ذلك ارتفاع جماح أسعار النفط والغذاء بشكل هائل بعد اندلاع النزاع الروسي الأوكراني.
والذي تبعه تضخم كبير، استدعى تدخل البنوك المركزية، خاصةً مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، الذي رفع معدلات الفائدة إلى مستويات غير مسبوقة وصلت إلى 5.50%.
ما أدى لارتفاع الدولار إلى أعلى مستوى له في عشرة أشهر، وارتفاع عائدات سندات الخزينة الأمريكية بأعلى قمة منذ أكتوبر من العام، فأثر ذلك بالسلب على بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى معاناة منطقة اليورو حالياً من تحديات الخروج من أزمات الطاقة.
بينما تواجه الصين مصاعب اقتصادية كبيرة، وهناك مخاوف تكمن في أن تراجع الاقتصاد الصيني ربما سيترتب عليه معاناة اقتصاد الغرب وربما العالم بأسره.
إذ تدرك بكين أنه من غير المرجح أن تعود العلاقات بين واشنطن وبكين إلى وضعها السابق، حين كانت توفر فيه الولايات المتحدة للصين الوصول إلى الأسواق والتمويل والتكنولوجيا والتدريب الإداري، وكلها ضرورية لاقتصاد الصين.
رغم كل ذلك، كان الكثيرون ينظرون بتفاؤل إلى نهاية تباطؤ الاقتصاد العالمي، حيث انخفضت أسعار الطاقة نتيجة لاعتدال فصل الشتاء في العام الماضي، وشهدت معدلات التضخم انخفاضاً في معظم الدول الصناعية. لكن ما لبث العالم أن استيقظ على اندلاع الحرب الغاشمة على غزة يوم 7 أكتوبر الماضي، فأعادت القلق حول احتمالات إلحاق الحرب أضراراً بالاقتصاد العالمي.
فمع اندلاع الحرب شهدت أسعار النفط ارتفاع بمقدار 20 دولاراً للبرميل حتى الآن. وعلى الرغم من بداية ارتفاع أسعار الغاز الأوروبية قبل اندلاع الأزمة بسبب توقعات بشتاء بارد، فإن التصاعد الحالي للأسعار يثير مخاوف إضافية بشأن تداول الغاز في المنطقة.
تظهر هذه التطورات الأخيرة كفاصل زمني محوري يستدعي التفكير في التأثيرات المحتملة للأحداث الجارية على الاقتصاد العالمي وكيفية التكيف مع تلك التحديات.
إذ ستشكل الحرب على غزة نقطة تهديد كبيرة لاقتصاد منطقة الشرق الأوسط مما سيؤثر على الاقتصاد العالمي، إذ لن يتجلى هذا التأثير فقط في ارتفاع أسعار الطاقة، بل أيضاً مخاوف من نقص الطاقة في المستقبل.
فمع تواصل الحرب وازدياد فرصة توسعها، ترتفع خطورة تأثر الإنتاج بالسلب في الشرق الأوسط، وترتفع أيضاً فرص إغلاق ممرات نقل الطاقة من الخليج وشمال أفريقيا إلى أوروبا، ما سيؤدي مباشراً لارتفاع الأسعار، وشح المعروض من النفط والغاز.
ويرى خبراء أن هذا الاحتمال سوف يخلق كساداً تضخمياً، وهو أخطر بكثير من الكساد المعتاد، الذي عادة ما يؤدي إلى خفض الأسعار، نتيجة نقص الطلب على المواد، الناتج أساساً عن شح المال المتولد عن البطالة الناتجة هي الأخرى عن التباطؤ الاقتصادي.
بجانب ارتفاع الأسعار، سيواجه العالم تهديداً مستقبلياً بنقص الطاقة، حيث يمكن أن يؤدي تأثير الصراع على إنتاج الطاقة في المناطق الرئيسية إلى نقص في إمدادات النفط والغاز العالمية. هذا النقص المحتمل يعزز المخاوف من مزيد من ارتفاع الأسعار وتدهور إمدادات الطاقة.
تتفاعل هذه التحديات مع مخاوف من الركود التضخمي، حيث يمكن أن يؤدي الوضع الحالي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة التضخم. يشعل نقص الأموال الناتج عن البطالة مخاوف من حدوث حالة من الركود التضخمي، ما يتسبب في تأثيرات اقتصادية خطيرة.
وفي حين يُفترض أن يكون ارتفاع أسعار النفط والغاز مفيداً لدول الشرق الأوسط المنتجة والمصدرة لهذه الموارد، من خلال زيادة إيراداتها وتقليل العجز، إلا أن ذلك ربما سيترافق مع تحديات متعددة، فمع استمرار الصراع في المنطقة سيزداد معدل التضخم، خاصة في تكاليف النقل، ما قد يجعل البيئة غير جاذبة للاستثمارات.
إن استمرار الحرب وقتل الأبرياء في غزة لا ينبئ بالخير لأي أحد، فكل هذا الدمار إذ استمر سيدمر الاستقرار في الشرق الأوسط وسوف يتسبب في رفع أسعار الطاقة، ورفع معدل التضخم، وخفض النمو الاقتصادي عالمياً.
تتجلى التداعيات الاقتصادية بسبب العدوان على غزة في تحديات اقتصادية جمة تتطلب استجابة فعّالة لوقف الحرب وإنقاذ الأرواح في غزة. في النهاية، من المستحيل التنبؤ بشكل مؤكد ما إذا كان العالم سيواجه كارثة اقتصادية عالمية. ومع ذلك، من الواضح أن هناك العديد من العوامل التي تشير إلى أن خطر حدوث ذلك آخذ في الازدياد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.