لا تزال معركة طوفان الأقصى وما نتج عنها من توتر إقليمي وعالمي مستمرة حتى اليوم، ولعله كان من المتوقع أن تغير الضربة غير التقليدية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية صباح يوم السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول، مجريات الأحداث السياسية وزيادة المناوشات العسكرية في المنطقة، ولكن ليس لهذا الحد.
أخذت إسرائيل بعض الوقت للقدرة على استيعاب الوضع الراهن، واختارت الرد على هذه المفاجأة وتأجيل تحقيقاتها الداخلية الواجبة لمعرفة أسباب السقوط الأمني والاستخباراتي والعسكري الذي عاشته ذاك اليوم، وأعلنت هدفها من هذه الحرب بشكل واضح، متمثلاً بالقضاء على حركة حماس بشكل نهائي.
مع مرور أسابيع الحرب الأولى، بدأت دبابات الاحتلال الإسرائيلي بالتقدم الفعلي نحو قطاع غزة معلنةً العملية البرية، لتبدأ بعدها بالتخفيف من حد وعودها وأهدافها لتقتصر على القضاء على قدرات حركة حماس العسكرية حتى تمحورت حول أهمية إعادة الأسرى الإسرائيليين إلى بيوتهم.
أثارت خسائر قوات الاحتلال الاسرائيلي على الأرض الشك حول إمكانية قضائها على المقاومة عن طريق عملية برية، فالخسائر الكبيرة بين المدنيين نتيجة للقصف العشوائي في غزة، وردود الفعل الدولية، وتهديد التصعيد إلى نطاق إقليمي، تضع ضغطاً إضافياً على الاحتلال، وهو ما يقلل من إصرار تل أبيب على استمرار العمليات العسكرية.
الهجمات البربرية في الشمال، والاستهداف المقصود للمستشفيات والمساجد والكنائس ومدارس الإيواء تُظهر أن طبيعة الحرب "غير المتكافئة" قد تخلق عواقب استراتيجية ليست مقتصرة فقط على الاحتلال ولكن أيضاً على المنطقة بأكملها. وفي ظل التطورات الحالية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول وما تلا ذلك، يؤثر الوضع الحالي على الديناميات التكتيكية والعملياتية والاستراتيجية، ويفضي إلى تكوين ديناميات جديدة.
الديناميات الحالية
شهدت معركة طوفان الأقصى تحولاً استراتيجياً في إسرائيل، مع تقويض العقيدة الأمنية التي تعتمد على الردع العسكري. حيث تسعى إسرائيل جاهدة للتغلب على هذا التحدي الاستراتيجي، وتعتزم مواصلة الجهود في هذا السياق. في الوقت الحالي، لا تهتم إسرائيل بالعودة إلى المشهد السابق في فلسطين وغزة، كما كانت الحال في الفترات السابقة.
من جهة أخرى، يتمثل هدف إسرائيل الرئيسي في خلق وضع جديد يعيد تحقيق التوازن العسكري، حيث ستعمل إسرائيل على بناء هذا الوضع الجديد على نطاق إقليمي في إطار القضية الفلسطينية داخل إسرائيل وضمن سياق التعاون مع الولايات المتحدة. إضافة إلى الأهداف القصيرة لإسرائيل لاحتلال غزة سواء جزئياً أو كلياً، والتخلص من المقاومة أو إضعافها بشكل كبير، وإقامة إدارة جديدة بعد الاحتلال.
من بين الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل، يأتي تغيير ديموغرافية غزة وتهجير سكانها إلى سيناء. إذ يسعى الاحتلال بالتعاون مع الولايات المتحدة لتبرير الحرب بشتى الطرق، مما يؤثر بشكل كبير على طبيعة الصراع والارتباك المحتمل.
تصاعد الصراع
تُظهر جميع هذه الديناميات أن هناك العديد من السيناريوهات المحتملة في الأسابيع القادمة. يمثل أحد هذه السيناريوهات تجاوُز إسرائيل للقطاع الشمالي في عمليتها البرية ضد غزة، حيث تسعى لاحتلال القطاع بأكمله. يهدف هذا السيناريو، الذي يعتمد أساساً على سيطرة إسرائيل على الجزء الشمالي من غزة، إلى إجبار بعض سكان غزة بالقوة على التوجه نحو مصر، مع استعادة السيطرة الإسرائيلية على بقية قطاع غزة بعد حرب مدن طويلة وخسائر فادحة.
في هذا السيناريو، لا يمكن استبعاد حدوث تصعيد للصراع العسكري على أكثر من جبهة. إذ، يمكن أيضاً أن تحدث اشتباكات منخفضة الحدة في الداخل المحتل وهو ما شهدناه خلال عمليات القدس، إضافة إلى تصاعد الاشتباكات على الحدود السورية واللبنانية، وهو ما يحدث بالفعل. إذ يمكن أن تؤدي زيادة الاشتباكات والإصابات إلى تعبئة الفلسطينيين في الضفة الغربية والفلسطينيين في الداخل المحتل، وهو ما قد يفتح الباب لشكل من أشكال الانتفاضة.
في هذا السياق، ومع تصاعد حدة المناوشات على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، والعمليات المستمرة لجماعة أنصار الله الحوثي في اليمن، قد تظهر للعلن حرب متعددة الأطراف بشكل رسمي ما إذا استمرت العملية البرية بالوحشية نفسها في قطاع غزة.
ويجب الإشارة إلى أن قدرات "حزب الله" العسكرية قد تطورت بشكل كبير منذ حرب عام 2006، إذ يمتلك الحزب صواريخ ذات نطاقات وقدرات متنوعة، ومخزوناً كبيراً من الطائرات بدون طيار والأنظمة المضادة للدبابات. ولكن رغم ذلك، لا نزال نرى عدم رغبة إيران في إقحام نفسها أو أذرعها في الحرب بشكل مباشر، من خلال التصريحات خفيفة الحدة منذ اليوم الأول للحرب.
تدرك إسرائيل أن مشاركة حزب الله في الحرب تمثل تحدياً عسكرياً كبيراً. فرغم الخسائر التي يمكن أن يتكبدها حزب الله، يمكن لكثافة ضرباته بالصواريخ تجاوز القدرة الدفاعية لنظام القبة الحديدية، مما قد يكبد الاحتلال خسائر كبيرة. وربما يزداد نشاط حزب الله وأذرع إيران في العراق وسوريا واليمن مع توسع الهجوم البري الإسرائيلي.
إذا أُجبرت إسرائيل على مواجهة جبهتين، فإن الولايات المتحدة قد تكثف ضرباتها الجوية ضد حزب الله، خاصة في سوريا. وفي هذه الحالة، قد تستهدف إيران ووكلاؤها القواعد الأمريكية بالمنطقة، خاصة في العراق وسوريا، وتنفذ هجمات على إسرائيل عبر سوريا. حينها قد تقوم واشنطن بتنفيذ عمليات قصف جوي على عدة دول، من ضمنها لبنان والعراق وسوريا واليمن، بهدف زعزعة الاستقرار العسكري والسياسي والاقتصادي لهذه البلدان.
في المقابل لن تدخل طهران الحرب، لكنها قد تستمر في دعم أذرعها، مما يترتب عليه زيادة ضعف المصالح الأمريكية. وفي حال توسعت تلك الصراعات، ربما ستضطر روسيا إلى دعم هذه العناصر بشكل أو بأخر.
هذا السيناريو قد يشهد حرباً خطيرة تشمل العديد من الدول ووكلاءها في المنطقة، مما قد يزيد من احتمال نشوب حرب إقليمية إذا لم يتم التوصل إلى وقف سريع لإطلاق النار.
في هذا السياق، تواجه إسرائيل تحدياً حول ما إذا كانت ستشن غزواً برياً في جنوب لبنان أم لا، حينها قد تضطر إسرائيل إلى وقف إطلاق النار إذا لم تتدخل الولايات المتحدة مباشرة في الحرب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.