بات واضحاً أن من أهم أهداف العدوان وارتكاب المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية ترحيل الفلسطينيين إلى خارج وطنهم فلسطين، وبالتحديد إلى سيناء المصرية والأردن؛ لكن صمود وثبات الشعب الفلسطيني أفشل مخطط الترحيل الجديد الذي يعتبر عقيدة صهيونية وإسرائيلية في آن واحد.
فشل ذريع
اتبعت الحركة الصهيونية ووليدتها الدولة المارقة إسرائيل وسيلتين لتحقيق غاياتها في فلسطين، تمثلت الأولى في ارتكاب المجازر بحق أصحاب الأرض الشرعيين لدفعهم إلى الهروب خارج وطنهم فلسطين، وتالياً العمل على تهيئة الظروف لجذب مزيد من يهود العالم إلى فلسطين عبر طرق مختلفة، وبهذا كان اليهود الركيزة الأهم لقيام الدولة المارقة إسرائيل واستمرارها على حساب فلسطين الوطن والشعب.
في عام 1948 طردت العصابات الصهيونية بفعل ارتكاب عشرات المجاز 850 ألف فلسطيني كانوايمثلون آنذاك 61% من مجموع الشعب الفلسطيني البالغ مليوناً و400 ألف فلسطيني، وتركز معظم اللاجئين الفلسطينيين إثر نكبة عام 1948 في المناطق الفلسطينية الناجية من الاحتلال، أي في الضفة والقطاع (80.5%) في حين اضطر (19.5%) من اللاجئين الفلسطينيين إلى التوجه للدول العربية المجاورة لفلسطين، سوريا، والأردن ولبنان، ومصر والعراق، ما لبث العديد ممن توجهوا إلى الدول العربية للسفر إلى مناطق جذب اقتصادية في أوروبا وأمريكا وأستراليا وكندا ودول الخليج العربية، في حين بقي في المناطق الفلسطينية التي أنشئت عليها الدولة المارقة إسرائيل، والبالغة 78% من مساحة فلسطين التاريخية البالغة 27009 كيلومترات مربعة، بقي نحو 151 ألف فلسطيني تركز غالبيتهم في الجليل الفلسطيني، وصل عددهم خلال العام الحالي 2023 إلى أكثر من مليونَي عربي فلسطيني، وتقدر نسبة الفلسطينيين المقيمين في فلسطين وحولها في الدول العربية المجاورة بـ80% من مجموع الشعب الفلسطيني خلال العام الجاري، وباقي النسبة من الشعب الفلسطيني وتصل إلى 20% تتوزع في الدول العربية غير المجاورة لفلسطين وأوروبا وأمريكا، وبهذا فشلت الدولة المارقة وداعموها في تحقيق الهدف الديموغرافي التهويدي الإحلالي.
المذابح مقدمة للطرد
"إن الوضع في فلسطين سيسوّى بالقوة العسكرية"، لخّص ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء إسرائيلي، المنطلقات الاستراتيجية للحركة الصهيونية، وإسرائيل أهم المنطلقات لاحتلال فلسطين، ويكرر هذه المقولة الآن رئيس الوزراء الإرهابي نتنياهو وأركان حكومة العدوان.
لم تبدأ المجازر الصهيونية في عام 1948، ففي ليلة 15 يوليو 1947 دخلت قوة لـ"الهاغانا" بستان الحمضيات الذي يملكه رشيد أبو لبن، ويقع بين يافا وبتاح تكفا. وكانت عائلة من سبعة أشخاص نائمة داخل منزلها، وتسعة عمال آخرون نائمين خارجه، ووضعت القوة المهاجمة عبوات ناسفة، وأطلقت النار، فقتلت 11 عربياً بينهم امرأة وبناتها الثلاث اللواتي كانت إحداهن تبلغ من العمر سبع سنوات، والثانية ثماني سنوات، والابن ثلاثة أعوام.
وفي 29 سبتمبر 1947 هاجمت "الهاغانا" أيضاً سوق حيفا، فدمرت متجر أحمد دياب الجلني بعبوات ناسفة، وفي 12 ديسمبر 1947 دخلت قوة من "الأرغون" ترتدي بدلات عسكرية بريطانية، بلدة الطيرة في قضاء حيفا، وقتلت 12 عربياً وجرحت ستة آخرين. وبعد يوم من هذه المجزرة ألقت عصابة "الأرغون" قنابل على تجمعات عربية عند باب العمود في القدس، فقتلت أربعة من العرب، وفي اليوم نفسه هاجمت تلك العصابة الصهيونية مقهى عربياً في مدينة يافا، في شارع الملك جورج، وقتلت ستة من العرب، وتبعاً لأرقام إحصائية، استشهد في 13 ديسمبر في كافة المدن الفلسطينية من جراء المجازر الصهيونية المنظمة 21 مدنياً عربياً.
وتابعت العصابات الصهيونية مجازرها المنظمة في القرى الفلسطينية المختلفة، لكن المجزرة الأكبر كانت في 30 ديسمبر 1947، حين رمت جماعة من "الأرغون" صفيحتي حليب تحويان قنابل على مجموعة من نحو مئة عامل فلسطيني، كانوا واقفين أمام مصفاة النفط في حيفا لتسجيل أسمائهم للعمل، وقتل في الهجوم ستة من العرب وجرح 46 آخرون، وفي الاشتباكات داخل المصفاة قتل العرب دفاعاً عن النفس 41 يهودياً وجرحوا 48. ارتكبت العصابات الصهيونية أثناء فترة الانتداب البريطاني 12 مذبحة، في حين ارتكبت 13 مذبحة بعدها ضد الفلسطينيين العزل. وتابعت هذه العصابات مجازرها وتدمير المنازل، والضغط على الفلسطينيين في القرى والمدن الفلسطينية كافة، خصوصاً خلال الفترة من يناير 1948 وحتى مايو من العام ذاته، وكان الهجوم يتم من ثلاث جهات، في حين تترك الجهة الرابعة كمنفذ وحيد لهرب الفلسطينيين الناجين من المجازر، حاملين معهم أخبار ما حدث للقرى القريبة، حتى ينتشر الرعب في قلوب الأهالي.
وتُوجت المجازر الصهيونية بقتل الوسيط الدولي السويدي الكونت برنادوت في القدس، في 18 سبتمبر 1948، على يد العصابات الصهيونية، وكان من بينها رئيس الوزراء الأسبق إسحاق شامير، بعدما حمّل الوسيط الدولي في تقريره إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة إسرائيل مسؤولية بروز قضية اللاجئين. وأكد أن أي تسوية لا يمكن أن تنجح من دون عودتهم إلى ديارهم. وبناءً على تقريره صوتت الجمعية العامة على القرار 194 بتاريخ 11 ديسمبر 1948. ومن جديد ترتكب الدولة المارقة إسرائيل المجازرالمروعة في قطاع غزة والضفة الغربية على مدار الساعة منذ 50 يوماً، بغرض دفع الفلسطينيين إلى خارج وطنهم، لكن ثبات أهالي غزة والضفة الغربية بما فيها القدس، رغم الألم وعملية التقتيل للأطفال والاعتقال أفشل دون شك مخطط الترحيل القديم الجديد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.