نحن الآن على أعتاب شهرين من بداية طوفان الأقصى، الطوفان الذي حرك داخلنا المياه الراكدة، والوهن المستميت، الذي قضى علينا سنين وسنين، إنه طوفان العزة وليس غزة، طوفان القوة والرفعة، لكن هل يمكن أن نشعر بالخزي مرة أخرى، بعد أن شعرنا بتلك المشاعر العظيمة النابعة بالصدق من أعماقنا الدفينة؟
الجواب هو أنني أعتقد من منبري هذا أننا لن نعود كما كنا قبل هذا الطوفان العظيم، الذي ذكرني بطوفان النبي نوح الذي قضى على كل ما هو فاسد؛ ليبدأ نور جديد لهذه الأرض التي أظلمها الكفر، وبعث لها الحياة مرة أخرى، فطوفان الأقصى بعث لنا أجيالاً ظننا أنها لا فائدة لها، أجيالاً لا مبالية بقضايا أمتها، هذا ما ظنناه لأمد بعيد، لكن الحقيقة أن هذا الجيل مختلف، جيل يبعث بالفخر والكرامة، جيل ليس كسابقيه، ينبعث من خلجاته الصدق وحب أمته، وكره كل ما هو ظالم وجاحد، جيل لديه عزة فقدناها منذ سنين بعيدة، لقد أعطانا الأمل من جديد، أمل صلاح الدين الذي كنا نقرؤه في كتب التاريخ فقط.
أعلم أن هناك دماءً لأطفال ونساء ورجال يُحزن عليهم بحسرة، لكني أعتقد أن الحزن لا فائدة منه؛ لأنهم قد ذهبوا إلى رب كريم، إلى حياة هانئة خالدة أفضل من هذه الدنيا المظلمة، فالحزن الحقيقي هو أن نحزن على حالنا، فنحن القاعدون في بيوتنا بأيد خاوية لا تضر ولا تنفع، أيد ماتت وأحياها هذا الطوفان، أيقظنا، أشعرنا بأننا مازلنا أحياءً، أشعرنا أننا نستطيع أن نكون أقوياء ببعض الجهد والإخلاص، ونكون شيئاً يخسف الأرض بمن يسيء إلينا.
فببعض المقاطعة أصبحت الشركات الداعمة للصهيونية تتهافت علينا بتقليل أسعار منتجاتها، وتغير بعض أسماء منتجاتها تحايلاً وخبثاً؛ لكي تحاول أن تنقذ ما يمكن إنقاذه، فهم لم يتصوروا يوماً أن تلك الأمة العربية والإسلامية يمكن أن تستيقظ يوماً بعد أن مكروا لها الليل والنهار لتبقى هامدة نائمة لا تستطيع الحراك أو التكلم، لم يظنوا أن هذا الجيل الذي قضت عليه جميع الوسائل المادية والوسائل الإعلامية أن يفيق كأجيال سابقة كانت عزيزة أرهقتهم في الحروب كالحروب الصليبية، الطوفان قضى على تلك الشركات، قضى على أحلامها، قضى على طموحها الخبيث اللئيم، فلن تقوم لها قائمة مرة أخرى بعون الله؛ لأن القلوب لن تموت مرة أخرى، القلوب أصبحت اهتماماتها أكثر من طعام منقوع في دماء أو شراب كالسم، إنما اهتماماتها أصبحت على مدى أوسع من ذلك بكثير، الحرية والكرامة والعزة والإيمان هي عنوان تلك المرحلة، فصوتهم أعلى من أي شيء تافه لا قيمة له.
الكلمات تعجز والحروف تقف أمام صمود أرواح متصلة ليست بالأرض، بل متصلة بالسماء، متصلة بقوى أقوى من أي أحد على وجه تلك الكرة، متصلة بالله، أرواح تعلم الحقيقة الكاملة، حقيقة الإيمان، حقيقة ضعفنا نحن البشر، الحقيقة الوحيدة هي أن ارتباطنا بالعزيز القوي هو ما يجعلنا لا نضعف أو نكون كغثاء السيل، حقيقة لو علمتها هذه الأمة لأفاقت قبل حدوث كل تلك الفواجع، لكن طوفان الأقصى أيقظنا، وجعلنا ننظر لصغرنا أكثر وأكثر، وننظر للأبطال في غزة بعين تغبطهم، بسبب قوتهم النابعة من قلوبهم الطاهرة التي لم تشبها شائبة، جعلنا نتمنى أن نستمد القوة منهم، لكننا مع الأسف أصابنا الحياء؛ لأننا لم نستطع أن نقدم لهم إلا أن نرسل أصواتهم لهذا العالم الأعمى الذي لا يرى غير ما يريده، لكننا لن نكون ضعفاء مرة أخرى، لن نغفل، ولن نستكين، لن تنام قلوبنا بعد الآن، فنحن شعرنا بالعزة ولا نريد أن نتألم بالخزي مجدداً، سنحيا لنحيي تلك الأمة!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.