أعتقد أن طوفان الأقصى هو جولة في معركة طويلة وشاملة، وليس مجرد قتال شوارع وصنع بطولات، أو معركة اختصرت صورة انتصارها في محاصرة مستشفيات، ورمزية تفوقها في نشر الرعب بين النساء والأطفال، لكيان اجتمعت فيه كل الشرور، وأصبح يشكل كتلة من الإجرام.
وإنما نحن أمام شرارة، تُؤرِّخ لحقبة تاريخية جديدة، فاصلة بين عهدين، وبين نظامين: نظام تأسَّس بعد الحرب العالمية الثانية، سنة 1945م، ونظام في طريقه للولادة، ونشهد مخاضه العسير هاته الأيام.
إنها بداية المعركة التي فجرت قاطرة الكيان وحلفائه، قبيل وصولها إلى محطتها الأخيرة، وهي احتلال مدينة القدس، والتصفية النهائية للقضية الفلسطينية. والتي ستضع حداً لثمانية عقود من احتلال الأرض، واحتلال العقول، وتزييف الحقائق، وتغيب الوعي الجمعي للأمة، وتزوير التاريخ، والكذب على الشعوب، التي ظلت تعيش حالة من التيه.
لتعود القضية الفلسطينية إلى مربعها الأول، ما قبل 75 سنة. وللقراءة الصحيحة، وفق السردية الموثقة والثابتة، في كل المؤسسات الدولية، من سنوات التهجير إلى قرار التقسيم، إلى قرار التصفية.
وطوفان الأقصى الذي يمثل الحدث الذي يشبه في إرهاصاته الأولى، وفي تصعيده المتدرج واتساعه المتدحرج، الحرب التي كانت بين الحلفاء ودول المحور، في الحرب العالمية الثانية، والتي وُصِفت بأنها ستُنهي كل الحروب، ونتج عنها النظام العالمي الذي يحكم العالم.
إنه الإعلان عن انتهاء صلاحية هذا النظام العالمي القديم، بعناوينه البراقة التي عبر عنها بوش ذات يوم: "نظام عالمي جديد تجتمع فيه الدول المختلفة في هدف مشترك، يتمثل في تحقيق الآمال العالمية للإنسانية، السلام والأمن والحرية وسيادة القانون. هذا عالم يستحق النضال من أجله ومن أجل مستقبل أطفالنا".
وبعد ثلاثة عقود من الترتيب لهذا النظام الجديد، بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وانفراد الولايات المتحدة بالحكم بعد حادثة 11 سبتمبر 2001م، التي فتحت أعين الاحتلال الإسرائيلي ونية وحلفائه الغربيين على الأمة الإسلامية، باعتبارها الخطر القادم، وعاشت الأمة ويلات النزاعات والفقر والحروب الداخلية من ذلك الحين.
وشهدت الدبلوماسية الغربية فشلاً على جميع الأصعدة، وعجزاً في حل النزاعات المنتشرة خصوصاً في جنوب الكرة الأرضية، أمام لاعب واحد مهيمن ومتجاوز لكل القوانين الدولية.
حتى بدأ كثير من قادة العالم يطالبون بإصلاح مجلس الأمن، كجزء لإصلاح شامل للأمم المتحدة، التي تضع مصير العالم بين يدي 5 دول متنازعة تملك حق النقض، وبتفوق أمريكي لثلاثة عقود من الزمن، تنامى فيها دور اليمين المتطرف، والإنجيليين والأصوليين المسيحيين، وبسيطرة كاملة للصهيونية العالمية والمنظمات السرية التابعة لها.
يأتي هذا الحدث ليضع كل الحروب والنزاعات السابقة واللاحقة في سياقها الطبيعي، وستضبط كل دولة نبض حركتها وتحالفاتها وانحيازها على ما بعد هذا الحدث.
إنها الحرب التي ستحدد مصير مدينة القدس وتبعاً لذلك مصير العالم.
وتحرير الإنسانية من القوانين الظالمة، إلى نظام عالمي جديد، يراعى فيه توازن القوى، تبعاً لصعود قوى جديدة في هذا العالم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.