إنما النصر صبر ساعة.. وألف يوم من الإعداد

عربي بوست
تم النشر: 2023/11/30 الساعة 10:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/11/30 الساعة 10:13 بتوقيت غرينتش

يتعلق عامة الناس بطبيعة تكوينهم البشري المحدود بظواهر الأشياء، ويبنون عليها فقط التصورات والمواقف والقرارات، وهي ظاهرة أساسية باتت تتعمق يوماً بعد آخر في ظل زمن التسارع، ومحدودية الثقافة السائدة، وغياب العمق عن القول والتفكير والتحليل.

لذلك، فإن البعض منّا، ينظر إلى المنجز هنا أو هناك، سواء أكان نصراً عسكرياً، أم تفوقاً سياسياً، أم نجاحاً دراسياً، أم ربحاً في سوق الأموال، بل لا أبالغ إن قلت التوفيق في العلاقات الاجتماعية، ينظر إلى كل ذلك في لحظته الأخيرة، وصورة التتويج النهائية التي وصل إليها المرء، مؤسساً دولته، مشكلاً حكومته، متميزاً في تخصصه، ثرياً ذا علاقات وجسور تواصل مع أصناف الناس على اختلافهم وتنوع مشاربهم وتوجهاتهم.

إنما النصر يا سادتي في الحياة، صبر ساعة على التكاليف، نعم، ولكنه صبر يسبقه زمن طويل من الإعداد والتنظيم والترتيب، وتلك سنة الله في خلقه، وهو درس التاريخ الكبير لمن أراد التأمل والرجوع إليه.

النصر ينبع من داخل النفس أولاً، فكيف يرجو المرء صلاحاً وداخله معطوب؟! وكيف يرنو لنفاذ إيجابي ناجح وسط معترك الحياة وهو مغلق الأبواب والفهم والعقل؟!

ثم إن هذه النفس تُبنى مثلها مثل أي شيء آخر، وهذا البناء يتطلب تغذية متواصلة، وتعميقاً للمعاني باستمرار، وسهراً على الإنجاز حتى نهاية الطريق الذي يجب أن يكون معلوماً وإلا كان المصير الهلاك!

يقف الملايين مثلاً وهم ينظرون بدهشة إلى طفل فلسطيني يلاعب صديقه على أكوام منزله المهدم! أو يلقن أخاه الشهادة بصبر فريد! وأب يكفّن طفلته كأنه يضعها على سريرها، وأم تودع ولدها الوحيد بثبات، أو جمع مؤمن يقيم الصلاة على أطلال مسجد! أو شابة تمتلئ عيناها بالدموع واليقين والإصرار وهي قد قضت زهرة عمرها خلف القضبان!!

فلا دهشة، وإنما تلك الخلاصة!

نعم هو الإيمان، وهو الالتزام، وهو الإصرار، ولا اختلاف في ذلك، ولكن المنجز هو في كيفية تشكل كل ذلك، فمتى ومن قام به وكيف تحقق هذا النماء.. هذا هو السؤال؟!

إنه الإعداد المطلوب الذي تم طيلة أعوام طويلة، والتكاتف للنجاح الذي مورس، وغرس المعاني في الجذور، فإذا ما هبّت عواصف الاقتلاع أو التخريب، ما مسّت سوى الأغصان، وبقيت جذوة اليقين مشتعلة، وقابلتها رياح الإيمان!

وقبل كل ذلك، صدق النوايا، وإخلاص المقاصد، ونقاء المسير.

فلمن رام النصر والنجاح والتوفيق والسداد: التمس طريق الإعداد المتقن. وقبل ذلك ومعه وبعده، توكل دوماً -متجرداً مخلصاً مليئاً باليقين- على الله!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عامر ممدوح
أستاذ التاريخ الإسلامي في الجامعة العراقية
أستاذ التاريخ الإسلامي في الجامعة العراقية
تحميل المزيد