{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا (9)}
إن من عظمة ديننا الإسلامي أنه يأمرنا ويعلّمنا أن من كان يحاربنا بالأمس ويقع تحت يدنا أسيراً، لا يملك من أمره شيئاً، وجب علينا أن نطعمه مما نأكل، بل نطعمه بالحب، أو ربما نؤثره على أنفسنا، ومن هنا تأتي المشاهد المليئة بالمشاعر بين الأسير والمأسور في غزة! إنها عظمة تعاليم ذلك الدين الذي يأسر القلوب. لقد بات طوفان الأقصى نموذجاً متماسكاً وشفافاً ونظيفاً وعقلانياً ومحدد الأهداف، إنه الجهاد في سبيل الله.
ما كان يخشاه نتنياهو من الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة حدث للمرة الثانية، حيث إنه برغم محاولة شيطنة المقاومة الإسلامية حماس، فإن الأسرى يخرجون ليبطلوا تلك المزاعم الكاذبة.
ولأن حماس كانت تدرك تماماً التضييق علي الأسرى المحتجَزين لديها بعد خروجهم لعدم التصريح للإعلام بشهادات صادمة للمجتمع الإسرائيلي، نشرت حماس رسالة شكر من إحدى الأسيرات لمرافقيها من كتيبة الظل، المكلفة بحراسة الأسرى، والذين سطروا صحائف نورانية من التعامل الإنساني معها ومع ابنتها.
كتبت الأسيرة دانيال لكتائب القسام:
"للجنرالات الذين رافقوني في الأسابيع الأخيرة، يبدو أننا سنفترق غداً، لكنني أشكركم من أعماق قلبي على إنسانيتكم غير الطبيعية التي أظهرتموها تجاه ابنتي (إميليا)، كنتم لها مثل الأبوين، دعوتموها لغرفتكم في كل فرصة أرادتها؛ هي تعترف بالشعور بأنكم كلكم أصدقاؤها، ولستم مجرد أصدقاء، وإنما أحباب حقيقيون جيدون.
شكراً شكراً شكراً على الساعات الكثيرة التي كنتم فيها كالمربية.
شكراً لكونكم صبورين تجاهها وغمرتموها بالحلويات والفواكه وكل شيء موجود حتى لو لم يكن متاحاً.
الأولاد لا يجب أن يكونوا في الأسر، لكن بفضلكم وبفضل أناس آخرين طيبين عرفناهم في الطريق.
ابنتي اعتبرت نفسها ملكة في غزة، وبشكل عام تعترف بالشعور بأنها مركز العالم.
لم نقابل شخصاً في طريقنا الطويلة هذه من العنصر، وحتى القيادات، إلا وتصرف تجاهها برفق، وحنان وحب.
أنا للأبد سأكون أسيرة شكر، لأنها لم تخرج من هنا مع صدمة نفسية للأبد. سأذكر لكم تصرفكم الطيب الذي مُنح هنا، بالرغم من الوضع الصعب الذي كنتم تتعاملون معه بأنفسكم والخسائر الصعبة التي أصابتكم هنا في غزة. يا ليت أنه في هذا العالم أن يقدر لنا أن نكون طيبين حقاً أصدقاء أتمنى لكم جميعاً الصحة والعافية والحب لكم ولأبناء عائلاتكم".
شكراً كثيراً.. دانيال وإيميليا
لقد استغلت حماس دقائق تسليم الأسرى للصليب الأحمر وقامت بتصوير تلك المشاهد المليئة بالمشاعر بين الأسير والمأسور، وكانت عفوية مطلقة فيها دليل على حسن معاملة الأسرى طوال فترة الاحتجاز. وكانت تلك الصور والمشاهد مؤلمة على إسرائيل، فلم تستطع العثور على أي دليل تثبت به ادعاء شيطنة المقاومة الإسلامية حماس.
بل زادت من شعبية المقاومة في العالم، وقدمت النموذج الإسلامي الراقي الذي فاقت به مواثيق الأمم المتحدة في معاملة الأسرى.
ومن ناحية أخرى، تعمّدت حماس تسليم الدفعة الثانية من الأسرى في وسط قطاع غزة وفي حضور جماهيري واستعراض عسكري مما يبعث برسالة قوية إلى الجيش الإسرائيلي بقدرة المقاومة في التحكم في المعركة ومسارها حرباً وتفاوضاً وأنه ما زالت بكل قوتها؛ وشعبيتها وإمكاناتها رغم الضربات الجوية المتصاعدة على قطاع غزة وارتكاب مجازر إنسانية مهولة.
ورغم التنبيه على المحررين من الأسرى الفلسطينيين بعدم الاحتفال بإطلاق سراحهم حدثت احتفالات تلقائية وعفوية أظهرت زيادة شعبية المقاومة في الضفة الغربية بإطلاق سراحهم عبر المقاومة الإسلامية في غزة، ومما يزيد من شعبية المقاومة هو تطبيق مبدأ العدالة في خروج الأسرى بالأقدمية المطلقة دون النظر إلى الانتماء، وهذا يعزز من شفافية المقاومة واتساع قبولها في كل أراضي فلسطين المحتلة.
وعلى الجانب الآخر، يخرج أطفال فلسطين المحرَّرين من سجون الاحتلال الإسرائيلي في حالة صحية ونفسية سيئة للغاية نتيجة التعذيب البدني والضغط النفسي الهائل، يحتاجون إلى إعادة تأهيل جديد للعودة إلى طبيعتهم.
وعلى الرغم من إعلان "الكابينيت" الذي يقود الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أنه وضع خطة انتشار القوات خلال الهدنة وخطة استئناف الحرب بعد انتهائها، وتصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، ووزير الدولة بيني غانتس، بالإصرار على استئناف الحرب "حتى لو استمرت الهدنة عشرة أيام"؛ فقد بدأت ترتفع أصوات عديدة تحذر من الحرب الطويلة، ومن أن يكون الهدف خدمة مصالح شخصية وليست وطنية، وتطالب هذه الأصوات بالبحث عن وسيلة لوقف الحرب.
وقد قال محلل الشؤون الاستراتيجية في صحيفة "هآرتس"، أمير أورن، إنه بعد نحو 50 يوماً من الحرب، تم تدمير 10% فقط من قوة "حماس" المقاتلة، ولم يتم تشخيص أي انهيار للحركة، كما لم يتم تحرير أي مجموعة من الرهائن بعملية عسكرية.
وأيضاً لم يتم قتل أي شخصية بارزة في الصف الأول من قيادة "حماس". وأكد المحلل أن حرب غزة تُعد من أطول الحروب ومن دون جدوى، "فحرب سيناء 1956 استمرت لأقل من أسبوع، في حين دامت حرب 1967 ستة أيام فقط، وحرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 لم تكمل ثلاثة أسابيع، وبالمجموع فإن الحروب الثلاثة الكبرى تلك استغرقت خمسة أسابيع، في حين أن حرب 2023 في غزة يمكن تسميتها اليوم حرب ستة الأسابيع، وإذا لم يحقق نتنياهو مطلبه فيها فقد تصبح حرب ستة الأشهر، وربما 12 شهراً؛ أي حتى نوفمبر (تشرين الثاني) من العام المقبل".
يوماً بعد يوم يتأكد انتصار المقاومة الإسلامية في تلك المواجهات، بل ربحت كل أبعاد الحرب في غزة إعلامياً وإستخباراتياً وعسكرياً ومعلوماتياً وأخلاقياً.
فقد شكل فرض شروط الهدنة وتنفيذها بتلك الطريقة المبدعة حالة من الضغط النفسي الهائل على نتنياهو ومجلس الحرب بسبب المكاسب التي تحصل عليها المقاومة في مقابل خسائر فادحة لمجلس الحرب الذي تم سحب البساط منه كاملاً وعدم وجود أي أوراق بيده للضغط على المقاومة الفلسطينية.
أعتقد أنه سيتم تمديد فترات أخرى للهدنة حتى يتم التفاوض حول طريقة للاتفاق النهائي والإفراج عن باقي الأسرى من الطرفين.
وستخرج المقاومة منتصرة بتنفيذ كل ما فرضته، وهو وقف الاعتداء على أهالي الضفة الغربية، وانتهاك حرمة القدس الشريف ورفع الحصار اللاإنساني عن قطاع غزة وتبييض السجون والمعتقلات الإسرائيلية من كل المحبوسين لديها.
إننا أمام مشهد جديد ومختلف سوف تتغير الأوضاع داخل إسرائيل وتتفجر مشكلات كبرى يشتعل معها الداخل الإسرائيلي المنهزم، وتبدأ عملية الانهيارات المتسارعة والهروب من أرض إسرائيل المليئة بالخوف والرعب وقليل من الأمن والأمان والاستقرار.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.