بين الحرب في غزة وبراغماتية إيران

عربي بوست
تم النشر: 2023/11/29 الساعة 12:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/11/29 الساعة 12:37 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية - عربي بوست

لفهم الواقع الحالي لا بُدَّ أن نكون مُلمّين بالتاريخ القديم والمعاصر؛ لتتبلور لنا الصورة بالشكل الصحيح، وسنتناول في هذا المقال عدّة جوانب؛ لنستطيع بناء قاعدة معلوماتية نستند إليها في تحليل المعطيات السياسية الحالية.

فما هي العلاقة بين إيران وفلسطين؟ ولماذا دعمت إيران حركات المقاومة الفلسطينية؟ هل ستدخل إيران وأذرعها بما فيها جماعة الحوثي وحزب الله في حرب غزة  بجانب المقاومة بعد انقضاء الهدنة الموقَّعة بين الاحتلال والمقاومة؟

إنَّ فَهم الواقع الحالي السياسي مرهونٌ بفهم مدى الصراع في منطقة الشرق الأوسط، ومدى تأثير إيران ونفوذها على المنطقة العربية، إذ تنظر إيران لنفسها على أنّها صاحبة المشروع الأسمى في العالم، والمنطقة، متباهية بتشكيل محور "الممانعة والمقاومة" الذي كان يضم إلى جانبها سوريا أيضاً.

إيران والقضية الفلسطينية.. الوعود المعسولة

كانت العلاقة وطيدة بين البلدين -فلسطين وإيران- في بداية السبعينات، فمع انتصار الثورة الإيرانيّة في عام 1979؛ لم يصل أي مسؤول "أجنبي" إلى طهران بعد الثورة قبل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، لكن سرعان ما ذهبت هذه الحفاوة لأسباب عديدة، رغم ذلك كان يتطلع عرفات إلى إبقاء قنوات متعددة مفتوحة داخل إيران، فحافظ على صِلاته مع حركة مجاهدي خلق الإيرانية، التي كانت تخوض معركة عنيفة مع فصائل الخميني بين 1979 و1981.

وصمدت العلاقة بين الطرفين إلى حين توقيع اتفاقية السلام الفلسطينية الإسرائيلية عام 1993، المعروفة باسم اتفاقية أوسلو، التي أطلقت رصاصة الرحمة على التحالف الهش.

لكن بعد 3 أعوام من تأسيس حركة المقاومة الاسلامية حماس، بدأت العلاقة بين حماس وإيران في التشكُّل عام 1990؛ حيث زارت وفود من الحركة إيران، وفُتح مكتب تمثيل دبلوماسي للحركة هناك عام 1992، مما مَثَّل اعترافاً إيرانياً بالدور المركزي الذي تلعبه حماس في فلسطين.

إيران
المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية/رويترز

بينما ترسّخت العلاقة بين حركة "حماس" وإيران عندما زار الشيخ "أحمد ياسين" طهران عام 1998، وبعد توثُّق العلاقة، قدَّمت طهران الدعم السياسي والمالي، وتكنولوجيا التصنيع العسكري، إضافة إلى التدريب العسكري لمقاتلي حماس وقَويت العلاقات أكثر عندما تمَّ إبعاد بعض قيادات حماس إلى سوريا في عام 1999م.

وكان من أهم عوامل تلقي الدعم والمساعدات من إيران؛ هو إهمال الأنظمة العربيّة في المنطقة دعم المقاومة، بل استخدام القضية الفلسطينية أحياناً لفك الغضب الشعبي تجاه الانظمة، فالقضيّة الفلسطينيّة كانت كافية لجذب القلوب وتحريك العاطفة، ما دعا حماس لتلقّي الدعم من إيران بشكل علني ومباشر، والشاهد أنه لو حقاً أرادت إيران النيل من الاحتلال الإسرائيلي، واستكمال دعم ونصر القضية الفلسطينية؛ لاستعملت ميليشياتها في مناطق الجوار للضغط على الاحتلال، لكنها آثرت المراوغة خوفاً من الانتقام وخوفاً على تعثّر برنامجها النووي، وحفاظاً على المصالح السياسية في المنطقة.

رغم وضوح براغماتية السياسة الخارجية لإيران، ما زالت طهران تحاول تصدّر المشهد "إعلامياً فقط" بأنها المناصر للشعب الفلسطيني والداعم لمقاومته – في ظل تخلّي حكام الأمة العربية والإسلامية عن فلسطين.

فمنذ تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ لم تخُض طهران في المنطقة أي حرب – مباشرة  مع الاحتلال الإسرائيلي، ولا حتى مع "واشنطن" التي تصفها ليلاً ونهاراً بالشيطان الأكبر، ويعود هذا الاستهلاك الإعلامي إلى عام 1979م حتى الآن، فحرب إيران ضد الاحتلال الإسرائيلي وواشنطن؛ متمثلة فقط في شعارات: (الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، القدس لنا، الشيطان الأكبر).. إلخ؛ لكنها بالمقابل شاركت في حروب مباشرة ضد الشعوب العربية الساعية للتخلص من الاستبداد السياسي الحكومي.

إيران لن تدخل هذه الحرب

يرجع عدم تطابق تصرفات إيران مع خطابها الرامي إلى "تحرير القدس" من إسرائيل، إلى سياستها البراغماتية، إذ تنظر طهران إلى الميليشيات الوكيلة، باعتبارها أذرع نفوذها الممتدة، وعلى أنها منظمات قادرة على توجيه ضربات متعددة، دون أن تضطر هي للدخول في  الحرب.

كما أن تلك الميليشيات تمنح طهران نفوذاً في المفاوضات الدولية ووسيلة لقلب ميزان القوى في الشرق الأوسط ضد إسرائيل والولايات المتحدة، ومنافستها، السعودية.

لذك تسعى إيران للرد على الضربات الإسرائيلية التي تستهدفها في سوريا والعراق، وتريد أن تضع حداً لها، لكن ليس بالرد المباشر ودخول الحرب، فهي كانت بحاجة ماسّة لإشغال الاحتلال الإسرائيلي بموضوع آخر يسحب مقدراته العسكرية والاستخباراتية، فهي لديها مخاوف كبيرة من عمليات عسكرية برية مرتقبة في مناطق نفوذها في سوريا.

حيث إذا أراد الاحتلال الإسرائيلي إظهار قوة وردع، وإرسال رسائل لإيران بأنه جاهز للتصعيد؛ سيرد الاحتلال على إيران عسكرياً في سوريا وربما في إيران نفسها، وهذا التصعيد يؤدي لاحتمال القيام بعملية عسكرية برية أمريكية من السويداء حتى البوكمال السورية، حينها ستتجه إيران لأوراق ضغط أخرى، مثل حزب الله والحوثي!

فبهذه المناوشات الأخيرة التي حصلت بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي من جهة، واستهداف الحوثي مستوطنة "إيلات" وحجز سفينتين تابعتين للاحتلال في خليج عدن من جهة أخرى؛ استخدمتهم إيران لإرسال رسائل لإسرائيل، هل تريدون حرباً مفتوحة تبدأ من غزة وسوريا ولبنان واليمن؛ أم نجلس على طاولة المفاوضات؟

في المقابل، ما زالت التهديدات الأمريكية واضحة لكل من تسوّل نفسه الانخراط في هذه الحرب، كما أعلن الاحتلال -بعد انقضاء الهدنة الإنسانية- عن تجهيزه المرحلة الثانية للتخلص من حركة حماس واستمرار الحرب حتى تطهير قطاع غزة بالكامل.

تنظر إيران إلى حرب غزة بعدستها الحقيقية بعيداً عن الشعارات، فتحسب مكاسبها المتمثلة في إيقاف مسار التطبيع بين السعودية وإسرائيل، ولعبها دوراً سياسياً، بالإعلان عن استعدادها للتدخل لإطلاق سراح المحتجزين لدى حماس، أما خسائرها بتوقف مسار التفاوض الأمريكي – الإيراني الذي تتوسط فيه قطر، وتجميد الأموال الإيرانية، التي تم رفع التجميد عنها، بعد صفقة إطلاق المعتقلين بين طهران وواشنطن تضعه نصب عينها ولا تريد تفويت فرصها.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

الأغيد السيد علي
كاتب وباحث سياسي سوري
تحميل المزيد