يصادف يوم الأربعاء التاسع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني، يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني، الذي تحيي الأمم المتحدة فاعليته كل عام، تزامناً مع اليوم الذي اتخذت فيه الجمعية العامة قرار التقسيم رقم 181، الذي نصّ على تقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية.
يشهد اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني فعاليات ثقافية ومهرجانات سياسية وجماهيرية تضامنية، من قبل حركات تضامن ولجان سياسية، والمؤمنين بعدالة القضية الفلسطينية. واستجابة لدعوة موجهة من الأمم المتحدة، تقوم الحكومات والمجتمعات المدنية سنوياً بأنشطة شتى، احتفالاً باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني. من بين هذه النشاطات، إصدار رسائل خاصة تضامناً مع الشعب الفلسطيني، وعقد الاجتماعات، وتوزيع المطبوعات وغيرها من المواد الإعلامية.
كما تعقد "اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف" جلسة خاصة سنوياً؛ احتفالاً باليوم الدولي للتضامن في مقر الأمم المتحدة بنيويورك. وتنشر شعبة حقوق الفلسطينيين، التابعة للأمانة العامة للأمم المتحدة سنوياً، نشرة خاصة تتضمن نصوص البيانات الملقاة والرسائل الواردة لمناسبة اليوم الدولي للتضامن، ومن بين الأنشطة الأخرى التي تُنظم في نيويورك في إطار الاحتفال باليوم الدولي للتضامن إقامة معرض فلسطيني أو حدث ثقافي ترعاه اللجنة وتُنظمه بعثة فلسطين لدى الأمم المتحدة، وعرض أفلام عن القضية الفلسطينية.
يُذكر أنه في عام 1977، دعت الجمعية العامة للاحتفال السنوي بيوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني، باعتباره اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني القرار 32/40 ب. في ذات اليوم من عام 1947، الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة قرار تقسيم فلسطين رقم 181، والذي بموجبه يتم إنشاء دولتين في فلسطين، يهودية وعربية.
أنشئت الدولة اليهودية في العالم التالي، ثم اعترف بها كعضو في الأمم المتحدة عام 1949، لكن الدولة الفلسطينية، التي تم النص على إنشائها في ذات القرار، لم ترَ النور إلى اليوم. هذا القرار الذي أجهضته الحركة الصهيونية بالتوازي مع تواطؤ الرجعيات العربية، بحيث تم تدمير كيانية الشعب الفلسطيني وتشريده وحرمانه من إقامة دولته المستقلة منذ العام 1948 وحتى يومنا هذا.
وعلى الرغم من جميع محاولات إسرائيل لإلغاء وجود الشعب الفلسطيني أو عدم الاعتراف بحقوقه أو بتمثيله السياسي الذي جسدته منظمة التحرير الفلسطينية فيما بعد، إلا أن كل هذه المحاولات قد باءت بالفشل وتمكن الشعب الفلسطيني وعبر تضحياته الغالية من أن يفرض حضوره على الصعيد العربي والإقليمي والدولي، ومن تعزيز مشروعية نضاله على أرضه ووطنه .
وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، انضمت فلسطين إلى الأمم المتحدة بصفة "دولة مراقبة غير عضو". وفي 30 سبتمبر/أيلول 2015، رفع العلم الفلسطيني أمام مقرات ومكاتب الأمم المتحدة حول العالم.
الذكرى السادسة والأربعين
تمر الذكرى السادسة والأربعين ليوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني هذه الأيام، وشعبنا الفلسطيني في غزة يتعرض لمذبحة جماعية يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي الوحشي منذ 7 أسابيع، حيث يتعرض البشر والحجر والشجر في قطاع غزة إلى إبادة لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلاً.
قضى نتيجة هذا العدوان أكثر من 15 ألف شهيد لحد اللحظة، وما يقارب 36 ألف جريح، و7 آلاف مفقود. أكثر من 75% منهم من الأطفال والنساء.
قام جيش الاحتلال الإسرائيلي الهمجي بتدمير قرابة الـ50 ألف وحدة سكنية، إضافة إلى 240 ألف وحدة سكنية تعرّضت لتدمير جزئي، نتج عنها تشريد، كما قتلت إسرائيل 207 شهداء من الكوادر الطبية بين طبيب وممرض ومسعف. وقتلت كذلك 70 صحفياً خلال عدوانها على غزة.
كما استهدف جيش الاحتلال 207 مؤسسات رعاية صحية، وأخرج 26 مستشفى، و55 مركز رعاية أولية عن الخدمة نتيجة استهداف مباشر، أو محاصرته ومنع إدخال الوقود.
ولم تقف الهمجية عند دور العبادة، إذ لم تسلم من بطش وهمجية قوات الاحتلال الذي قام بتدمير 88 مسجداً، بينما دمر 174 مسجداً بشكل جزئي، إضافة إلى استهداف 3 كنائس. وقام بتدمير عشرات المدارس التابعة للأمم المتحدة، حيث كان الآلاف من النازحين يتخذونها ملاذاً بعد تدمير بيوتهم.
تضامن عالمي واسع مع القضية الفلسطينية
وفي هذه الأيام الأليمة تتواصل المظاهرات الشعبية حول العالم تضامناً مع الشعب الفلسطيني الذي يواجه وحيداً العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، والاعتداءات عليه في الضفة الغربية المحتلة والقدس، إلى جانب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، حيث يرفع المتظاهرون -المنددون بوحشية وعنصرية الاحتلال- الأعلامَ الفلسطينية، والشعارات التي تدين همجية جيش الاحتلال، وتدعو إلى تمكين الشعب الفلسطيني من انتزاع حريته وبناء دولته المستقلة.
تجوب كل الضمائر الحية في هذا العالم الشوارع، للمطالبة بوقف الدعم الأمريكي والغربي للاحتلال وضرورة مقاطعته. عشرات الآلاف من المتضامنين يخرجون يومياً في العديد من المدن الأمريكية والغربية، وأمام البيت الأبيض في العاصمة واشنطن، وفي الساحات والشوارع الرئيسية. كما يكرر ذات المشهد في العديد من الدول الأوروبية، والآسيوية، واللاتينية، وغيرها من دول العالم.
أضخم وأكبر هذه التظاهرات جرى في المدن المغربية وخاصة في الرباط؛ حيث شارك فيها عشرات الآلاف من الأشقاء المغاربة الذين تدفقوا إلى الشوارع يعلنون رفضهم التطبيع، ورددوا شعارات داعمة لفلسطين ومنددة بالجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي. كذلك في المدن الإيطالية، والبريطانية، والأمريكية، والدنماركية، والسويدية، والكندية، والألمانية، والسويسرية، والفرنسية، والإسبانية، والبلجيكية، والتركية، والإندونيسية.
كيف أدعم فلسطين؟
قدمت الشعوب العربية، وأحرار العالم الكثير من الدعم لفلسطين على مدار العقود السبعة الماضية. ويمكن لكل منا أن يستمر في تقديم الدعم لفلسطين أينما وُجد بواسطة خطوات غير مكلفة.
فعلى سبيل المثال، يمكننا دعم الشباب الفلسطيني وتداول أعمالهم الأدبية والفنية والسينمائية والثقافية، لعدم قدرة معظم المبدعين الفلسطينيين على الترويج لأعمالهم وتسويقها بسبب الحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي، وبعض الأنظمة العربية.
العمل على تعريف الآخرين بالتراث الفلسطيني الذي يتمثل بكونه المخزون التاريخي للشعب الفلسطيني عبر العصور المتعاقبة. وهو هوية الشعب الفلسطيني والعمق التاريخي والحضاري له.
الأثواب الفلسطينية المطرزة تحمل خصوصية كبيرة لكل مدينة وقرية فلسطينية، بالإضافة إلى الدبكة والأغنيات والأهازيج والأمثال والعادات والتقاليد وغيرها من القصص الشعبية، والحرف اليدوية، والمشغولات، والمطرزات.
السعي لتسويق المنتجات الزراعية الفلسطينية -في حال توفرت. تتميز فلسطين بمنتجاتها الزراعية، من فواكه وخضروات وحمضيات بجميع أنواعها، كما تميزت بإنتاج أجود أنواع الزيتون والزيت، والصابون. بالإضافة إلى تعريف الآخرين بالأطعمة الفلسطينية التراثية. حيث يتميز المطبخ الفلسطيني بالعديد من الأكلات التراثية الشعبية التي تم ابتكارها بطريقة خاصة تتميز عن باقي شعوب المنطقة، مثل: المفتول، المقلوبة، المسخن، الرّمانية، المحاشي، والفلافل والحمص وغيرها من الأطعمة.
كل ذلك، بالتوازي مع فضح الاعتداءات الإسرائيلية اليومية على الفلسطينيين في كل مكان، وإظهار كيف يواجه الفلسطينيون في الأراضي المحتلة اعتداءات على منازلهم، وأراضيهم، وأعمالهم، وكيف يتعرضون للقتل أو الإصابة أو الاعتقال على الحواجز الإسرائيلية، ويتم هدم منازلهم وفصل الأهالي عن بعضها من خلال جدار الفصل العنصري في انتهاكات واضحة للقوانين الدولية والإنسانية.
لنتحدث عن حصار إسرائيل لقطاع غزة الذي يضم أكثر من مليونين ونصف فلسطيني تحت حصار إسرائيلي مشدد منذ ما يزيد على 17 عاماً. تسبب بهلاك البنية التحتية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ورفع من نسب البطالة لأكثر من 60% بسبب تجريف آلاف الأراضي الزراعية وتدمير عشرات المنشآت التجارية والمصانع خلال الحروب.
لنفضح ديمقراطية إسرائيل المزيفة، حيث تحاول تقديم نفسها للعالم على أنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط، تدعم الحقوق والحريات، لكنها عكس ذلك تماماً. فهي دولة تمارس الإرهاب والجرائم العنصرية بشكل منظم ودوري لإبادة الشعب الفلسطيني.
لنكشف كذب الرواية الإسرائيلية التي تروّجها أن الفلسطينيين "تركوا" أرضهم عام 1948. لنعمل على دحض ذلك، فلم يترك الفلسطينيون أرضهم، هذه رواية إسرائيلية تم نشرها في كل مكان حتى أصبح البعض يعتقد أنها الحقيقة، وهي في الواقع كذبة ودعاية إسرائيلية. لقد تعرّض الفلسطينيون لعملية تطهير عرقي كان معدّاً لها مسبقاً.
وكشف العنصرية الصريحة ضد فلسطينيي الـ48 الذين تطلق عليهم إسرائيل مصطلح "عرب إسرائيل" وهم الفلسطينيون الذين بقوا في أراضيهم بعد النكبة، حيث يشكلون اليوم ما يقارب 20% من المجتمع الإسرائيلي، ينظر إليهم القانون الإسرائيلي على أنهم مواطنون، إلا أن الواقع مختلف، حيث تميز إسرائيل في تعاملها ما بينهم وبين اليهود في غالبية الحقوق التي من المفترض أن تمنحها لهم. خاصة بعد صدور قانون القومية، الذي ينص على أن إسرائيل هي "الدولة القومية للشعب اليهودي" وأن حق تقرير المصير فيها "يخص الشعب اليهودي فقط".
مسيرة نضالية طويلة
تمر الذكرى السادسة والأربعين لليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني بعد مسيرة نضالية لهذا الشعب، قدم فيها شعبنا عشرات آلاف الشهداء والجرحى الأسرى، وعشرات آلاف المنازل التي هدمت، والعائلات التي شردت، و عشرات آلاف الأشجار التي اقتلعت، بعد نهر من الدم الأحمر القاني، وأعمار تذوب وراء القضبان، وبعد أن اشتعلت المنطقة العربية بالحروب ومزقتها الخلافات، بعد أن تمردت إسرائيل على كل القرارات التي أصدرتها الشرعية الدولية لإنصاف الشعب الفلسطيني، وإصرارها على المضي في سياسة تهويد الأراضي وفرض الأمر الواقع، وقتل المزيد من الأطفال الفلسطينيين، كل هذا في ظل عجز عربي رسمي لم تعد تغطيه ورقة توت ولا حتى إبرة صنوبر توخزه، وفي ظل عجز غير مبرَّر من القوى الرسمية العربية المكثرة من المؤتمرات والبيانات، دون أي فعل حقيقي.
فما يجري فوق أرضنا الطاهرة فلسطين اليوم يضع العرب والمسلمين والمجتمع الدولي أمام مسؤولياتهم لأول مرة بشكل باتت فيه العربدة الإسرائيلية ترى من كل العواصم العربية وهي تنتهك مقدسات المسلمين، الأمر الذي يفرض على الأمة العربية، بمستوياتها الرسمية والشعبية المختلفة، النهوض لمواجهة التهديدات والأخطار الجسيمة التي تواجه حاضرهم ومستقبلهم، حيث تقتضي كل عوامل الأخوة والدين المشترك والمصالح المشتركة والمصير الواحد أن يتضامن العرب لمساندة النضال المشروع للشعب الفلسطيني ودعمه.
كما تمر الذكرى وشعبنا وقواه المناضلة تواجه أشرس عدوان إسرائيلي متواصل بكل الأشكال والأساليب وأكثرها دموية وإرهابية وعنفاً منذ قرن من الزمان. حيث يواصل الاحتلال جرائمه وممارساته الوحشية واللا أخلاقية واللا إنسانية ضد شعبنا وأهلنا في جميع الأراضي الفلسطينية، وإن تعددت أسالبيها، فإن أهدافها واحدة. هذه الجرائم إنما تحمل في طياتها أبعاداً خطيرة، وتمثل انعكاساً لإخفاقات حكومة الاحتلال وتعميق مأزقها السياسي والأمني بفعل المقاومة الباسلة والصمود الأسطوري لشعبنا وحركته الوطنية والاسلامية في القدس وفي بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.