في أحلك زوايا القمع، حيث يظهر الأمل ضئيلاً، هناك دائماً بصيص من النور يخترق النفق، لقد كان هذا النور الذي يستمد قوته من الإيمان والصمود الذي لا يتزعزع دافعاً لعدد لا يُحصى من الأفراد الذين يعيشون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، حيث يتعرَّض الرجال والنساء والأطفال المحرومون من حريتهم للإيذاء النفسي والجسدي، والحبس الانفرادي، والأفعال اللاإنسانية، ومع ذلك وسط هذه الوحشية يتشبثون بالاعتقاد بأن الحرية، رغم أنها تبدو بعيدة، كانت قريبةً جداً.
ومع ذلك، حتى في مواجهة الصعاب التي لا يمكن التغلب عليها تشبث السجناء الصامدون بإيمان تجاوز الجدران الخرسانية التي كانت تُقيدهم، وهو الاعتقاد الذي ردَّ الشعور بأن هناك دائماً ضوءاً ينبعث من ثقب النفق. بالنسبة لهم لم تكن الحرية مجرد حالة جسدية، بل كانت جوهراً روحياً مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالله عز و جل.
تغير كل شيء في السابع من أكتوبر، وهو يوم محفور في الذاكرة الجماعية لجيل كامل، تغيّرت حياة عدد لا يُحصى من العائلات بشكل لا رجعة فيه، حيث محا القصف الإسرائيلي أسماء عائلات كاملة من السِّجلات المدنية، وحوّلت المنازل إلى أنقاض، ولطخت سماء غزة برائحة دماء الشهداء. كان هذا اليوم نقطة تحول، ليس فقط لأولئك الذين يعيشون في ويلات الاحتلال، ولكن أيضاً للأسرى الذين عانوا سنوات من العذاب.
فمنذ ذلك اليوم المفصلي ظلَّ الأسرى الفلسطينيون يتعرضون للتعذيب في سجون الاحتلال، ومع ذلك شهد النضال نقطة تحول، وهي شهادة على القوة الدائمة للشعب الفلسطيني. هيّأت التضحيات التي قدَّمها عدد لا يُحصى من الشهداء الطريقَ أمام السجناء، الذين انتظروا طعمَ الحرية الذي كان يُعتبر في السابق بعيد المنال.
واليوم، أصبحت الأسماء التي ارتبطت بالسجن حرة، مثل إسراء جعابيص، وشروق دويات، ومراح بكير، والملك سليمان. الأطفال الذين فقدوا طفولتهم خلف قضبان السجون يتذوقون الآن حلاوة الحرية، خرج السجناء الصامدون من الظل، واحتضنوا الحرية بعد سنوات من الأسر. إن هذا التحرير، وهذا الانتصار، يرجع أولاً إلى فضل الله عز وجل، ثم إلى تضحيات الشهداء وروح المقاومة التي لا تعترف بالاستسلام.
وفي هذا النصر يعود الشكر أولاً إلى الله عز وجل، ثم إلى أرواح الشهداء الطاهرة. تظل تضحيات أولئك الذين تركونا باقيةً في قلوبنا، ويظل ألم غيابهم بمثابة تذكير مؤثر بتكلفة الحرية، ووقفت المقاومة، التي لا تتزعزع في التزامها حصناً منيعاً في وجه الاستسلام.
وإذ نحتفل بالإفراج عن الأسرى تتألم قلوبنا على أرواح الراحلين، الشهداء الذين مهَّدت تضحياتُهم الطريق لهذه الحرية، ويستمر الصراع وتتشابك دائرة الفرح والحزن، ما يجعلنا نتصارع مع تعقيدات العواطف التي تصاحب مثل هذه اللحظات العميقة من التاريخ.
رحم الله جميع الشهداء، ووسع طريق الحرية لمن ما زالوا يتحملون أغلال الظلم، وبينما يمضي الشعب الفلسطيني الصامد قدماً تُومض شعلة الأمل، لتذكِّر العالم بأنه حتى في أحلك الأنفاق هناك دائماً بصيص من الضوء.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.