يا له من شيء يثلج الصدر! أحبابنا في غزة، أبطالنا ومقاومونا، الصورة التي عكستموها في أسراكم أصبحت أيقونة ربما سيتداولها الجميع، فهم لم ينسوا هؤلاء العجائز اللاتي تم إطلاق سراحهن لأسباب إنسانية، ولن ينسوا منظر العجوز التي صافحت يد أحد أبناء المقاومة، ولن ينسوا تلك الفتاة و تلويحة يديها وهي في السيارة التي كانت تُقلها لمقر سكناها في الأراضي المحتلة، لن ينسى العالم تلك المرأة مع الطفلين، وهي تتحدث بكل صراحة عن معاملتهم الطيبة.
في أحد خطاباته قال نتنياهو إنهم -أي الاحتلال- هم "أهل النور"، وإن الفلسطينيين (يقصد العرب أو المسلمين جميعاً) هم "أهل الظلام"، أما عن الواقع؛ فأهل النور يقتّلون ويدمرون الحياة ويشيعون الظلام بقطع الكهرباء والماء والغذاء والأدوية وهدم البنية الأساسية من بيوت وطرق ومدارس ومساجد ومستشفيات ودور عِلْم وعمل، بينما أهل الظلام (كما وصفهم) فيحاولون بعد زمن طويل مضى عاشوا به، وبما استطاعوا، الدفاع عن أنفسهم للخروج من العتمة التي يفتعلها أهل النور طمعاً في ملاقاة الحرية والنور.
هذا هو تعريف مبسَّط للظلام والنور في واقعنا، والذي يبصره ويميزه كل حر، أما تعريف الاحتلال فليس إلا معبراً عن عادة وثقافة الاستعمار المليئة بالاستعلاء والعنصرية.
فرغم الظلام الذي يحاصر المقاومة بسبب الاحتلال، نرى المقاومة تظهر بكل النبل، ويتضح هذا جلياً أمام الجميع في طريقة تعاملهم الحضارية مع أسرى عدوهم، بينما مَن يطلقون على أنفسهم "أهل النور" فهم في الحقيقة "أهل الظلام"، ونرى ذلك في كل ما يرتكبونه من جرائم وحشية بالبشر وأي شيء يدعو للحياة في غزة.
في الحقيقة، فإن أي وجه للمقارنة بين المقاومة والاحتلال ظالم لا محالة؛ بل هو غير منطقي من الأساس. فكيف نقارن بين النبل والوحشية؟! بل لا أجد الكلمات التي تسعفني لوصف الاحتلال وسلوكه اللاإنساني فهو أظلم من ذلك وأنكى حلكةً.
حتى إن قادة الاحتلال دائمو الكذب على جمهورهم، وهذا ما نلاحظه في تصريحاتهم وفي إحصائياتهم. بينما لا يكذب علينا "أبو عبيدة" في كلماته؛ بل يطمئننا بكل صدق ودون مبالغة.
إن ما تفعله المقاومة يقلب الرأي العام الشعبي العالمي، صدق المبتغى جعل معظم الأحرار في العالم يتوقفون حول مسألة النأي بالنفس والشكر وعدم الجزع عند الموت، والاستعداد له في سبيل القضية الأساسية، هذا الأمر ربما سيجعل العقل الغربي يعمل بشكل نقدي مع ما يقدمه الاحتلال من شناعة لا مثيل لها، ومع ما يسوّقه من أكاذيب باطلة تم كشفها للرأي العام.
إذ يتضح اليوم مَن هو الإرهابي وصاحب السلوك الاستعماري، الذي لا يصون أي اتفاقات أو عهود، فالاحتلال لا يقيم لأي قوانين أو مبادئ وزناً، ولا يقوم بما يمليه عليه أي اتفاق، بل لا بد له من خرقه وتسويفه، فكما قال أحد قياديي حماس إن الاحتلال ارتكب بعض الخروقات في أول يوم للهدنة ثم في ثاني يوم أيضاً، وهكذا دواليك، وكان رد الاحتلال تهديداً ووعيداً همجياً باستئناف العمليات البرية فيما لو لم تفرج المقاومة عن بقية الأسرى، ولم تلتفت المقاومة لخروقاته التي تمنع استمرار الاتفاق على النحو الذي يفرضه واقع الحال عند معبر رفح.
الحقيقة أن النور والظلام أمران مرهونان بالواقع، هو يَسِير بهما ويسيّرهما، هو اللوحة التي يرى من خلالها الناظر لمجرياته وتشكلاته، النور والظلام ليستا كلمتين للوصف المجرد إنما هما أفعال، وأفعال الاحتلال الشنيعة أوضح من أي يوم مضى، في مقابل كل ذلك، ورغم الظلام الحالك في غزة، وتخلّي العالم عن أهلها، تنبت مقاومة أهل غزة من وسط الحطام؛ لتعطي العالم دروساً في الإنسانية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.