بعد دعمه المطلق لإسرائيل.. هل يتورط بايدن في أشد الجرائم الدولية خطورة في غزة؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/11/27 الساعة 11:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/11/27 الساعة 11:26 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو/رويترز

يُثير الدعم غير المشروط من قبل الإدارة الأمريكية للاحتلال الإسرائيلي عقب السابع أكتوبر /تشرين الأول 2023 مسألة قانونية غاية في الخطورة في منظور القانون الجنائي الدولي، إذ يمكن أن يترتب عن هذا الدعم قيام عناصر المسؤولية الجنائية الدولية للرئيس "بايدن" وكبار مسؤولي الجيش والدبلوماسية الأمريكية نتيجة مواقف وأفعال تحتمل وصف الاشتراك في إحدى أشد الجرائم الدولية خطورة. 

وقد سبق أن بينا في مقالنا السابق، تورط إسرائيل في حربها الجارية في غزة في أفعال قد تكيف على أنها جريمة إبادة جماعية  في منظور القانون الجنائي الدولي، كما نظرنا في مدى توفر عناصر هذه الجريمة، سواء كانت مادية متجسدة في أفعال القتل الممنهج وتسليط العقاب الجماعي وخلق ظروف معيشية يراد بها القضاء التدريجي على التواجد الفلسطيني، أو معنوية ممثلة في التصريحات والخطابات الإسرائيلية الانتقامية المعلنة المتضمنة لإرادة  تصفية فلسطيني القطاع.  

ولا تزال الهجمات الجوية الانتقامية وغير المتناسبة التي تشهدها غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 تحصد آلاف الأرواح، إذ قتل إلى حين تدوين هذه الأسطر أزيد من 14 ألف فلسطيني جلهم من الأطفال والنساء والمسنين، كما تمّ التبليغ عن أكثر من 6 آلاف مفقود، وإصابة 30 ألفاً آخرين، في حين سُجل نزوح حوالي أكثر من مليون فلسطيني نحو جنوب قطاع غزة.

 سنسلط الضوء في هذا المقال على موقف القيادة الأمريكية الداعم سياسياً وعسكرياً لحرب إسرائيل على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وكيف يمكن تكيفه في منظور القانون الجنائي الدولي.

من أول وهلة.. دعم أمريكي شامل وغير مشروط 

انجرت الولايات المتحدة من أول وهلة إلى الرواية الإسرائيلية حول مجريات السابع أكتوبر/تشرين الأول، وأعلنت دعمها السياسي والعسكري غير المشروط لإسرائيل حول ما اعتبرته دفاعاً عن النفس وحرباً على الإرهاب، إلى درجة أن الرئيس "بايدن" صرح في أحد خطاباته أن "حماس" أقدمت على ذبح الأطفال، مُردداً الرواية الإسرائيلية المضللة. وقد كانت هذه الرواية بمثابة مطية لتوجيه كل السند السياسي والعسكري والإعلامي الأمريكي لدعم إسرائيل، لكن ريثما تدارك البيت الأبيض الخطأ وتراجع عن التصريح حول الرؤوس المقطوعة؛ إذ تبين بعد ذلك أنها شائعة إسرائيلية لا صحة لها، لكنها انتشرت كالنار في الهشيم في وسائل الإعلام الغربية، وإلى حين الساعة لا تزال بعض الجهات الإعلامية متمسكة بنفس الرواية رغم تفنيدها وعدم وجود أية أدلة حول صحتها. 

الرئيس الأمريكي جو بايدن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل/رويترز
الرئيس الأمريكي جو بايدن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل/رويترز

تبع ذلك توجيه وزير الدفاع الأمريكي "لويد أوستن" بتحريك حاملة الطائرات الأميركية "جيرالد فورد" الأكثر تطوراً مرفقة بأعتى القوات تسليحاً لدعم إسرائيل، كما أعلن أن أمريكا ستوفد بسرعة معدات إضافية نحو إسرائيل بما فيها الذخائر.

وقد تجسّد الدعم العسكري في الميدان أيضاً؛ إذ كشفت تحقيقات منظمة العفو الدولية عن رموز تعريف حربية أمريكية على قذائف "الفوسفور الأبيض" المحرمة دولياً، التقطت صورها في سديروت واستعملت في ضربات مدفعية نحو غزة. 

كما دافع مستشار الأمن القومي الأمريكي "جون كيربي" عن قرار إسرائيل بترحيل الفلسطينيين نحو الجنوب معتبراً إياه حماية للمدنيين من أضرار الحرب، وفي السياق ذاته تمكنت وكالة "HuffPost" من الحصول على مراسلات داخلية تمنع كبار دبلوماسيي الولايات المتحدة من استعمال ثلاثة مصطلحات في حديثهم للإعلام حول الحرب على غزة ألا وهي: "التهدئة ووقف إطلاق النار"، "إنهاء العنف وحقن الدماء" و"استعادة الهدوء". 

 أفعال قد تكيّف على أنها اشتراك في جريمة "الإبادة الجماعية" 

يعتبر الدعم المادي والمعنوي لحرب إسرائيل على غزة من قبل الرئيس "بايدن" وجميع كبار مسؤولي القيادة السياسية والعسكرية الأمريكية خلال كل مراحل الحرب، من قبيل الاشتراك في أفعال تحتمل وصف جريمة الإبادة الجماعية وتُرَتِّب قيام المسؤولية الجنائية بموجب القانون الجنائي الدولي.

وتعاقب القوانين الجنائية على الاشتراك، التآمر، التحريض والمحاولة في الجرم، وهو ما تصدت له أيضاً الاتفاقية الجماعية لمجابهة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها المبرمة سنة 1948، حيث نصت المادة الثالثة على عقاب من يشارك في الأفعال التالية:

  • الإبادة الجماعية.
  • التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية.
  • التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية.
  • محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية.
  • الاشتراك في الإبادة الجماعية.

 وبالنظر إلى أفعال الولايات المتحدة الأمريكية فإنه يتضح جلياً عدم قيامها بأي خطوات ولأكثر من أربعة أسابيع من أجل منع عمليات القتل الجماعي والتهجير القسري لأزيد من مليون فلسطيني نحو جنوب القطاع، وذلك بالرغم من قيام عناصر، من ضمن جملة الأفعال الصادرة عن إسرائيل، قد  تكيف على أنّها جريمة إبادة جماعية؛ ممثلة في القتل الجماعي والتهجير وخلق ظروف معيشية يراد بها  التدمير الجزئي أو الكلي للحياة في  غزة، أضف إليها تصريحات تحريضية وانتقامية تنطوي على إرادة التصفية الجماعية تجاه الفلسطينيين واعتبارهم "حيوانات بشرية" على حدّ تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي، كما أحجمت الإدارة الأمريكية كلية عن استعمال أي عبارات تشير إلى وقف إطلاق النار أو الهدنة أو استعادة الهدوء مثلما أوردته مراسلات داخلية للإدارة الأمريكية. والأكثر من ذلك فقط استعملت الولايات المتحدة يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حق النقض "الفيتو" على مستوى مجلس الأمن من أجل منع اعتماد قرار بشأن "هدنة إنسانية" اقترحته البرازيل، وهو الأمر الذي يخالف نص المادة الثامنة من اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها الذي يحث الدول الأطراف على التحرك وطلب اتخاذ الإجراءات المناسبة على مستوى الأمم المتحدة لمنع وقمع أفعال الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة من نفس الاتفاقية.

ويضاف إلى ذلك الدعم العسكري والسياسي المباشر وغير المشروط الذي انطوى على تصريحات وأفعال القيادة الأمريكية، تحت حجة منح إسرائيل حق الدفاع عن النفس، حيث أوفدت أمريكا قواتها إلى المنطقة وفتحت جميع مخازن السلاح والذخيرة لتزويد إسرائيل، كما تم اكتشاف استعمال قذائف "الفوسفور الأبيض" تحمل أرقاماً حربية أمريكية في قصف غزة، بحيث تعدّ من الذخائر المحرمة دولياً لا سيما في البروتوكول الثالث المتعلق بحظر وتقييد استعمال الأسلحة الحارقة الملحق باتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر المصادق عليها سنة 1980.

تحديد المسؤوليات الجنائية وآليات متابعة المسؤولين الأمريكيين 

يُتابع القانون الجنائي الدولي الأفراد الضالعين في ارتكاب الجرائم الدولية الأشد خطورة على غرار الإبادة الجماعية أو الاشتراك في ارتكابها، سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، رؤساء أو مرؤوسين وبغض النظر عن رتبهم أو مسؤولياتهم أو ما يتمتعون به من حصانات. وقد عملت الولايات المتحدة الأمريكية منذ عشرات السنين على توظيف صلاحياتها في مجلس الأمن الدولي، أو بواسطة إبرام عشرات الاتفاقيات الدولية الثنائية أو ما يطلق عليها "اتفاقيات الحصانة" لمنع امتداد اختصاصات المحاكم الجنائية الوطنية والمحكمة الجنائية الدولية على الخصوص إلى مواطنيها الضالعين في تجاوزات جنائية عبر عدة دول حول العالم، الأمر الذي جعل سُبل متابعة أفراد الإدارة الأمريكية وعناصر قيادتها العسكرية  غير متاح في ظل تكريس واضح لسياسة اللاعقاب.

أما بخصوص إمكانية المتابعة أمام القضاء الأمريكي فقد حرّك مركز الحقوق الدستوري "CCR"   مؤخراً باسم مجموعة من الفلسطينيين دعوى قضائية أمام القضاء الأمريكي ضد ثلاثة مسؤولين أمريكيين هم الرئيس "جو بايدن" ووزير خارجيته "أنتوني بلينكن" ووزير الدفاع "لويد أوستن" بصفتهم الرسمية، حيث وجه لهم المدعون  تُهماً تتعلق بالإخفاق في واجب التصدي ومنع وقوع جريمة الإبادة الجماعية وقيامهم بأفعال تعدّ اشتراكاً في نفس الجريمة الجارية في غزة عقب السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وفي انتظار تقدم إجراءات الدعوى وما ستحمله من نتائج، يجدر الذكر أنّه لم يسبق للقضاء العسكري الأمريكي ممارسته أن أصدر أحكاماً ضد أفراد جيشه أو مواطنيه تشتمل على التوصيف الجنائي الموضوعي لنظام روما للمحكمة الجنائية أو أحكاماً بموجب قوانين الحرب، بالرغم من أن الولايات المتحدة دولة طرف في اتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949 وبروتوكولَيها الإضافيين لسنة 1977، وإنما درج القضاء العسكري الأمريكي على البث في تجاوزات أفراد قواته بالنظر إلى التشريع العقابي الوارد في القانون العام.     

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

خالد مهيدي
باحث في القانون الدولي
متحصل على دكتوراه في القانون الدولي من جامعة الجزائر مهتم بقضايا حقوق الإنسان، لاسيما تحديات القانون الدولي لحقوق الإنسان، عضو مؤسس في مركز الآفاق للدراسات والأبحاث بالجزائر.
تحميل المزيد