كعراقية متابعة للتطورات السياسية في الشرق الأوسط، لاحظت حجم الجهود الدبلوماسية الأمريكية التي يمارسها الدبلوماسيون الأمريكيون في العراق وخارجه لتقديم دعم غير مشروط لإسرائيل وجرائمها في قطاع غزة.
بادئ ذي بدء لا بد من الإشارة إلى موقف المكونات العراقية الشعبية من طوفان الأقصى والاعتداء على الشعب الفلسطيني. فكحالة تاريخية، تؤيد أغلب المكونات الإثنية والدينية العراقية القضية الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني لتحصيل حقوقه المشروعة، ولم يطرأ على هذا الموقف المؤيد أي تغيير بعد عملية طوفان الأقصى، بل زادت منه بشكل مطرد؛ وذلك لأن الشعب العراقي ينظر إلى معاناة الشعب الفلسطيني كمعاناة مستمرة ومشابهة لما يمر به بعد الاحتلال الأمريكي للعراق.
وأما من حيث الهجمات على المقار والقواعد العسكرية الأمريكية، فإن هناك قبولاً شعبياً لا بأس به لهذه الهجمات؛ إذ يُنظر إليها بوصفها وسيلة مزدوجة ومهمة للواقع العربي في الشرق الأوسط، فهي وسيلة ضغط على الولايات المتحدة لتخفيف الدعم غير المشروط لإسرائيل، وهي الوسيلة الوحيدة لإخراج قوات الاحتلال الأمريكي من الأراضي العراقية وإلى الأبد.
ومن هذا المنطلق، وبوصف العراق محطة استراتيجية مهمة في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي والصراع العراقي-الأمريكي؛ تقود السفيرة الأمريكية في العراق السيدة "ألينا رومانوسكي" مهمة متعددة الأوجه لإخراج العراق عن مدار القضية الفلسطينية وحجب الدعم الرسمي والشعبي للشعب الفلسطيني.
مكثت السفيرة رومانوسكي في الكويت أقل من عامين فقط ليتم نقلها بشكل مباشر إلى العراق حيث بدأت مهامها في يونيو/حزيران 2022. ويأتي هذا التعيين في سياقات عديدة منها أن السفيرة، وبحسب موقع السفارة الأمريكية في العراق، بدأت حياتها المهنية في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في العام 1980، ومن ثم انتقلت إلى وزارة الدفاع، ومن ثم وصلت إلى وزارة الخارجية. والجدير بالذكر هنا هو أن السفيرة درست في جامعة تل أبيب كما أنه خلال مسيرتها المهنية تولت منصب المدير القُطري لإسرائيل.
منذ بدء عملية طوفان الأقصى لم يمر أسبوع واحد إلا وقامت السفيرة بإجراء لقاءات رسمية مع مسؤولين رفيعي المستوى في العراق. ففي الأسبوع الماضي فقط، التقت بنائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، وكذلك التقت قبل أيام برئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني. ومن خلال هذه اللقاءات تحاول رومانوسكي منع توسع الصراع مع إسرائيل، بالإضافة إلى حماية التواجد الأمريكي في العراق، خصوصاً بعد أن توسع نطاق الهجمات على قواعدها الأمريكية في الأراضي العراقية.
أكثر ما تخشاه الولايات المتحدة الأمريكية هو توحيد صفوف الشعب العراقي في دعم القضية الفلسطينية. ولذلك فهي تسعى إلى تحييد موقف العشائر السنية من الحرب على قطاع غزة؛ إذ تحاول تصوير ما يجري في العراق من هجمات على القواعد الأمريكية، وما يجري في فلسطين المحتلة من هجمات حماس والجهاد الإسلامي ضد الاحتلال الإسرائيلي، بأنه تحريض من إيران لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، وبأن الذين يدفعون ثمن هذه المقاومة هم أهل السنة في فلسطين.
لكن لم تقع العشائر السنية في هذا الفخ؛ حيث رفضت المكونات السنية كافة هذه الروايات وأيدت النضال الفلسطيني المشروع في الدفاع عن الأرض والعرض؛ ولذلك يبدو أنّ الولايات المتحدة لا تخشى فقط هجمات الفصائل العراقية على القواعد الأمريكية بل تخشى أيضاً عودة المقاومة السنية للاحتلال الأمريكي إلى مشهد الصراع والتي ظهرت عقب الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003. بالإضافة إلى إمكانية توحيد الموقف الشعبي العراقي السني والشيعي في دعم القضية الفلسطينية وتنسيق التحركات الرسمية وغير الرسمية في دعم هذا النضال.
لا بد أخيراً من التذكير بأنه، وعلى الرغم من هذه الجهود لتأمين استفراد الاحتلال بالشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وكذلك الضغوط الاقتصادية الأمريكية على العراق، إلا أن الشعب العراقي والقيادة العراقية على يقين تام بأنّ الدفاع عن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني أمر يتعلق بالمصالح القومية العراقية، وهذه حقيقة تاريخية لا يستطيع أحد تغيير مسارها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.