حرب غزة وتصاعد الدور الصيني

عربي بوست
تم النشر: 2023/11/26 الساعة 07:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/11/26 الساعة 07:49 بتوقيت غرينتش
وفد من دول عربية وإسلامية يزور الصين/ رويترز

يبدو أن عملية السابع من أكتوبر وما تلاها من حرب إسرائيلية على غزة ستترك أثراً عميقاً على النظام الدولي الذي يمر بمرحلة مخاض مستمرة منذ عدة سنوات، إذ جاءت هذه الحرب لتعمّق من أزمة الولايات المتحدة الأمريكية الاستراتيجية، التي تحاول التعامل مع تداعيات الحرب في أوكرانيا، وما تستنزفه من جهود سياسية وعسكرية تقف عائقاً أمام إعادة تمحور واشنطن، للتركيز على جنوب شرق آسيا واحتواء الصعود الصيني دولياً. 

فقد أعادت الحرب الولايات المتحدة الأمريكية إلى الشرق الأوسط من جديد، وهي التي كانت تعمل على تخفيض مستوى انخراطها في المنطقة. عادت واشنطن للمنطقة ليس سياسياً فقط، وإنما عسكرياً من خلال نشر حاملتَي طائرات والتزامٍ ضمني بالوقوف بجانب إسرائيل في حال توسع الحرب في غزة إقليمياً. عودة الانخراط الأمريكي للشرق الأوسط لن يمثل فرصة لبوتين لالتقاط الأنفاس في أوكرانيا ميدانياً، واستغلال الازدواجية الأمريكية للتحشيد سياسياً فحسب، بل يعطي مساحةً أيضاً للصين للاستمرار في الاستثمار في تثبيت نفوذها في منطقة جنوب شرق آسيا وتعزيز خطوات صعودها الدولي.  

أما الصين من جهتها، والتي تمثل القطب الصاعد في النظام الدولي، فتتقدم بخطى ثابتة نحو الشرق الأوسط. الانخراط الصيني المتصاعد لا يتوقع أن يشكل على المدى القريب رافعة لموازنة الموقف الأمريكي، إذ ما زال التواجد الصيني في المنطقة محدوداً، وهي التي لا توجد لها أي قوات عسكرية منتشرة، باستثناء مئات العناصر المشاركين ضمن بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام، كما أن بكين غير معنية بمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، ولا تتبع سياسة الندية في تعاملها مع الغرب، على الأقل في المدى المنظور. محدودية الدور الصيني تبدو واضحة في الملف الفلسطيني-الإسرائيلي، والذي لا تمتلك فيه الصين أدوات الضغط على الطرف الإسرائيلي للدفع بأي عملية تفاوض أو وساطة محتملة. 

الرئيس الصيني شي جين بينغ يصافح جو بايدن عندما كان نائباً للرئيس/رويترز، أرشيفية

لكن بكين تتميز أيضاً عن الولايات المتحدة بقراءة أكثر توازناً للشرق الأوسط، وللقضية الفلسطينية. فالصين ما زالت ترى أن أسّ الأزمة يتمثل في الاحتلال الإسرائيلي، وأنه لا بديل عن حل يتمثل في دولة فلسطينية ذات سيادة فعلية. كما أن الصين رفضت وما زالت أن تعتبر حركة حماس حركة إرهابية، وتعمل على إبقاء علاقات معها، هذا رغم سياسة الصين التقليدية في التعامل مع الحكومات دون الفاعلين من غير الدول. ولعل الميزة الأهم أن الصين تتعامل مع الملف الفلسطيني كملف سياسة خارجية بالدرجة الأولى، على خلاف كل من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، التي تحتل فيها القضية الفلسطينية-الإسرائيلية مساحة واسعة في السياسة الداخلية، سواء عبر دور وتواجد اللوبيات الإسرائيلية، أم نتيجة إرث معاداة السامية، وهو ما يجعل الدول الغربية عاجزة عن رسم سياسة متوازنة تجاه قضية الشرق الأوسط.

يترافق هذا الموقف الرسمي الصيني مع موقف شعبي منحاز أكثر للموقف الفلسطيني، فوفق أحد المتخصصين في الرأي العام الصيني فإن الخطاب الشعبي على السوشيال ميديا في الصين يرى أن العرب أقرب للصينيين من إسرائيل والغرب، كما أن الخطاب الشعبي يرى أن الصين لا يمكن أن تدعم إسرائيل المدعومة أصلاً من قبل أمريكا غريم الصين. 

هذه القراءة المتمايزة عن القراءة الأمريكية-الغربية، خاصةً في ظل الانحياز الأمريكي-الأوروبي الأعمى لإسرائيل، هي ما يجعل الأعين تتجه لبكين. ومن هنا جاء توجه وفد مشكّل من وزراء خارجية عرب ومسلمين إلى الصين، في محاولةٍ للبحث عن وسيلة للضغط باتجاه وقف إطلاق نار في غزة، في خطوة ذات بعد رمزي بالدرجة الأولى. لكن هذه الخطوة تمثل تأكيداً على رغبة العديد من دول المنطقة في لعب الصين دوراً أوسع في المنطقة، وهو ما تمت الإشارة إليه سابقاً من خلال توجه الرياض وطهران للصين لرعاية الاتفاق السعودي-الإيراني الأخير. 

وزير الخارجية الصيني وانغ يي يصافح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود/ رويترز
وزير الخارجية الصيني وانغ يي يصافح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود/ رويترز

التطور في الموقف الصيني جاء من خلال قمة دول البريكس يوم الحادي والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، في قمة افتراضية استثنائية حول القضية الفلسطينية الإسرائيلية. ففي أول حديث رسمي للرئيس الصيني حول الحرب في غزة تحدث عن الحاجة لوقف إطلاق نار فوري، واصفاً ما يتعرض له قطاع غزة وسكانه بالعقاب الجماعي. كما أكد الرئيس الصيني تشي أن "السبيل الوحيد لكسر دائرة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يكمن في حل الدولتين، واستعادة الحقوق الوطنية المشروعة للفلسطينيين، وإقامة دولة فلسطين المستقلة". كما دعا الرئيس الصيني لعقد مؤتمر دولي لتحقيق سلام شامل وعادل ومستدام في فلسطين. وهو ما يمثل خطوة مهمة على صعيد لعب الصين دوراً دولياً في القضية الفلسطينية.

التحرك الصيني من خلال مجموعة البريكس، وتأكيد الرئيس الصيني خلال قمتها الافتراضية مع زعماء روسيا وجنوب أفريقيا والبرازيل على "أهمية الحديث بصوت عالٍ من أجل العدالة والسلام فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية الإسرائيلية"، يأتي بالتوازي أيضاً مع حراك صيني مهم في مجلس الأمن، والذي تتولى بكين رئاسته الدورية حالياً، وهي الفترة التي شهدت تمرير القرار الأول منذ بدء الحرب على غزة، وهو القرار 2712 حول إقامة هدن إنسانية عاجلة وممتدة في قطاع غزة. 

توازن الموقف الصيني وتمايزه عن موقف الولايات المتحدة الأمريكية هو ما يؤهل بكين الطامحة لزيادة وزنها على الساحة الدولية للعب دور أكبر في المدى المتوسط أو البعيد في القضية الفلسطينية. وفي ظل تراجع الدور الروسي واحتمالاته، لا يستبعد أن تلعب الصين لاحقاً الدور ذاته، الذي كان الاتحاد السوفييتي يلعبه إبان الحرب الباردة، في إعادة ضبط الإيقاع الدولي حول الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

بلال سلايمة
باحث في المعهد العالي للدراسات الدولية - جنيف
تحميل المزيد