أثناء المعارك والصراعات والحروب قد لا يخطر ببال البعض أن هناك حروباً سيبرانية متوازية غير مسلحة، لا تُستخدم فيها الدبابات والصواريخ ولا قنابل الفوسفور، فقط أجهزة الحاسوب والكيبورد، وعمليات اختراق، والترويج لمحتوى قد يؤدي إلى التأثير في الروح المعنوية للخصم، أو حتى من خلال محاولات عديدة لتشويه صورة الطرف الآخر من أجل التأثير في الرأي العام وفرض سرديتك للأحداث، يمارس الاحتلال الإسرائيلي هذه الحروب باحترافية كبيرة، كما تقوم بها حركة حماس أيضاً، ليس فقط منذ بداية طوفان الأقصى، ولكن قبل ذلك بكثير.
تمتلك المقاومة أيضاً قدرات سيبرانية جيدة، تصل أيضاً إلى قدرتها على التشويش على القبة الحديدية من خلال هجمات حجب الخدمة DDoS Attack، ما يتسبب في تعطيلها لبعض الوقت، ويمتلك أيضاً الاحتلال الإسرائيلي وحدة سيبرانية كاملة (وحدة 8200) وهي مسؤولة عن عمليات الاختراق والحرب السيبرانية، تقوم كذلك بفبركة الأخبار وتزييف الصور والاحتيال واصطناع حسابات وهمية للتأثير في الرأي العام العربي، أو لإثارة الفتنة بين المواطنين في البلاد العربية المختلفة، وعلى رأس مَن خدم في الوحدة الاستخباراتية 8200 أفيخاي أدرعي، رئيس قسم الإعلام العربي في وحدة الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي.
حماس دوت كوم
تداول خلال الفترة الأخيرة رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وبالأخص على موقع X، موقعاً إلكترونياً منسوباً لحركة حماس Hamas.com، ورغم أنه باسم حماس فعلاً، لكن بمجرد أن تبدأ في تصفح الموقع ستجد أن المحتوى أغلبه احتفالات بصور وأعداد القتلى من الجانب الإسرائيلي، أغلب هذه الصور مفبركة وغير حقيقية، أو مصنوعة بواسطة الذكاء الاصطناعي، وهناك دعوات واضحة للتبرع من أجل مواصلة الجهاد، كل شيء على الموقع سيُدخل في قلبك الريبة والشك، وأن هذا الموقع الإلكتروني ليس له علاقة بحركة حماس، ولكن كيف يمكن أن نتأكد من ذلك؟
مَن الذي أنشأ هذا الموقع الإلكتروني؟
باستخدام أداة Whois هو عبارة عن موقع يتيح البحث في قواعد البيانات التي يمتلكها للحصول على معلومات حول ملكية أو تسجيل أسماء النطاقات على الإنترنت، بما في ذلك معلومات المالك ومعلومات الاتصال، كما يساعد في تحديد هوية مالك النطاق وتفاصيل التسجيل التقنية، اتَّضحت لنا بعض البيانات، أهمها مثلاً أن الاحتلال الإسرائيلي اشترى هذا النطاق Hamas.com عام 1999، وأنه قد تم صنعه واستضافته بواسطة شركة WIX، وهي شركة برمجيات إسرائيلية، توفر خدمات الحوسبة السحابية، تسمح للمستخدمين بإنشاء مواقع إلكترونية واستضافتها، إذن يمكننا إجمال النتائج في أن النطاق ليس جديداً، من يستضيف هذا الموقع هي شركة إسرائيلية، وليست تابعة لحركة حماس بالتأكيد.
كان الموقع خاملاً لسنوات
باستخدام أداة The Wayback Machine، وهي منظمة غير ربحية تقدم خدمة أرشفة لمواقع الويب، تتيح للمستخدمين استعراض نسخ سابقة من المواقع، وتوفير مكتبة رقمية مفتوحة المصدر، تضم موارد متنوعة مثل الكتب والمقاطع الصوتية والفيديوهات، يمكن من خلالها أن نتعرف على تاريخ هذا الموقع الإلكتروني القديم، وهنا اكتشفنا أنه كان خاملاً وغير نشط، بدأ بالعمل فعلياً بتاريخ 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أي أنه بعد أربعة أيام فقط من بداية عملية طوفان الأقصى، ما يدفعنا أن نربط بين توقيت تشغيله الفعلي وأحداث السابع من أكتوبر.
لكن لم يكن الموقع خاملاً بشكل كامل، نشط بعض الوقت لشهور وتوقف حتى بدأت بعد عملية طوفان الأقصى، باستخدام نفس الأداة The Wayback Machine يمكننا أن نتعرف على شكل الموقع ومحتواه في أي وقت، فعلى سبيل المثال في تاريخ الخامس من أغسطس 2006 سنجد أن المحتوى متنوع، ويتضمن كلمات إباحية، وأسماء مختلفة مثل: القاعدة، حماس، أسامة بن لادن، ربما كان يحتوي على مجرد أفكار داخل عقول الاستخبارات الإسرائيلية حتى اكتملت الفكرة بعد عملية طوفان الأقصى.
تبرعوا من أجل مواصلة الجهاد
وإن بدا هذا العنوان ساذجاً إلا أن الكثيرين ربما يقعون في فخ العاطفة، ورغبتهم في دعم إخواننا في فلسطين والمقاومة، تظهر بشكل واضح دعوات على الموقع الإلكتروني للتبرع لدعم حماس، المشكلة الحقيقية ليس في أن الأموال ستذهب إلى الاحتلال، ولكن في أن أي محاولة منك للتبرع ربما ستتبعها محاولات لتتبّعك وملاحقتك بدعوى دعم الإرهاب، ولكن باستخدام بعض الأدوات لفحص عناوين محافظ العملات المشفرة- البيتكوين على سبيل المثال- ستجد أنها لم تتلقَّ أي تحويلات، ولم تحدث أي عمليات في هذه المحفظة، لا استقبال ولا إرسال، هذه هي النتيجة التي ظهرت عند استخدامنا لأدوات مثل getblock وblockchain وغيرهما.
الروابط الموجودة بالموقع أيضاً غير بريئة
المشكلة الحقيقية ليست في أن هذا الموقع الإلكتروني كله عبارة عن عملية هندسة اجتماعية واحتيال وخداع للمستخدمين، وأن هدفه ليس فقط تشويه صورة حماس والتصوير للعالم أن هذا الموقع هو ملك حماس، وأن هذا المحتوى تقدمه حماس، ولكن أيضاً يحاول الاحتلال جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن المستخدمين الذين يتصفحون هذا الموقع، فمع كل زيارة لك ومن خلال كل رابط موجود على الموقع يقوم بجمع معلومات، أبسط هذه المعلومات هو موقعك الجغرافي، نوع الهاتف الذي تملكه، حجم الشاشة، المتصفح الذي تستخدمه، معلومات وتفاصيل كثيرة قد تفيدهم بشكل أو بآخر في عمليات قادمة يقومون بها.
إن الحرب خدعة، وفي عالم الحرب السيبرانية كل الأدوات متاحة للجميع، فالعصر الجديد هو فضاء تكنولوجي هائل، فكل شخص لديه جهاز حاسوب، والجميع يتصفحون الإنترنت ويرسلون رسائل البريد الإلكتروني، وكل شخص لديه هاتف محمول وفيسبوك وواتساب، كل هذا يُنتج كمّاً لا نهائياً من المعلومات.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.