حين تشكلت دولة إسرائيل بقرار من الأمم المتحدة عام 1948 ، كان ذلك لحجج واهية، أحدها أن وزير خارجية بريطانيا بلفور وعد أثرياء اليهود بوطن يجمعهم في فلسطين عام 1917، رغم أن هؤلاء الأثرياء الآن لا يعيشون في إسرائيل حالياً، وحجج دينية أخرى كالوعد الإلهي وكونها أرض الميعاد وأرض المحشر وما إلى ذلك من حجج ومبررات، في البداية استقبلت الأراضي الفلسطينية التي كانت تحت الانتداب البريطاني عشرات الآلاف من اليهود الذين جبنوا عن الاقتصاص من الأوروبيين الذين فعلوا فيهم المجازر واستقووا على الفلسطينيين العزل أصحاب الأرض، فبدأت الميليشيات الصهيونية التي تمت تغذيتها بالحقد في تنفيذ أكبر عملية تهجير في الشرق الأوسط لسكان فلسطين من المسلمين والمسيحيين، ولم يكتفوا بهذا، بل طالتهم المجازر حتى في مخيمات اللجوء.
دولة دينية مارقة
أنت ستحصل على جنسية دولة إسرائيل مادمت أردت، وكنت يهودي الديانة، ويا حبذا إن كانت والدتك يهودية أيضاً، وهذا ما لا يحدث في أي قُطر على مستوى العالم، سواء أكان عربياً أم آسيوياً أم أوروبياً، فلا جنسية تُعْطى بناءً على الديانة إلا في دولة اسرائيل اليهودية، لكن على الأغلب ستكون هذه الجنسية الممنوحة لك هي من الدرجة الثانية أو الثالثة، فإنك ستسدد الضرائب وتخضع للخدمة الوطنية العسكرية الإلزامية، بينما لا يسدد الإسرائيليون من الدرجة أولى أية ضرائب ولا يُجندون لأنهم من نسل أبناء يعقوب عليه السلام (إسرائيل)، ومن أصحاب الدماء النقية وليسوا كدهماء القوم.
حتى رئاسة الوزراء في اسرائيل التي ينادي منظروها بالعلمانية، تتأطر بإطار يهودي، حتى بالرجوع لأسماء رؤساء الوزراء ابتداءً من أول رئيس وزراء إسرائيلي وهو ديفد بن غوريون وأحد أهم الشخصيات الموقعة على وثيقة تأسيس دولة إسرائيل، ويحمل الاسم العبري للنبي داوود عليه السلام، كذلك موشيه شاريت، وموشيه هو موسى، وإسحاق رابين، وإسحاق هو والد يعقوب عليهما السلام، ونفتالي بينت وإيهود باراك وبنيامين نتنياهو وشمعون بيريز، وهي أسماء من أسماء بني يعقوب الاثني عشر.
منهجية تأسيس أمريكا وما يحدث الآن
غزة ليست الأندلس حتى يبكيها العرب في أشعارهم أو يرثيها المسلمون في مدوناتهم، غزة والضفة وفلسطين هي مكون عربي إسلامي حنفي في منطقة عربية إسلامية، شاء من شاء وأبى من أبى، فاليهودية في حد ذاتها أو بعثة موسى عليه السلام -وهو مواليد مصر- بدأت من الوادي المقدس بطوى، وهو ما تشير الروايات إلى أنه بسيناء، وبعدها توجه إلى مصر مجدداً لدعوة فرعون للرسالة، ثم عبر البحر مجدداً إلى سيناء، ولم يدخلوا فلسطين إلا فترة حكم داوود عليه السلام، حيث سكن إخوة يوسف -وهم من أبناء إسرائيل (النبي يعقوب)- مصر، وكما قال الله عز وجل في سورة يوسف: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).
وهذه القصة أصبحت مملة من كثرة تكرارها والتي يتجاهلها العالم المتحضر العلماني، الذي تقوده أمريكا، تلك الدولة التي تأسست أصلاً من مجموعة من الأوروبيين الذين استعبدوا الأفارقة وأبادوا سكان أمريكا الشمالية.
لا فرق في المنهجية، فكيان الولايات المتحدة يختلف عن فرنسا أو الصين أو روسيا أو حتى بريطانيا وإيطاليا، فقد تأسست دولة أمريكا بعد إبادة السكان الحقيقيين والأصليين لأمريكا الشمالية، وهم الهنود الحمر، واستعبدوا لقرون الأفارقة السود حتى نشبت الحرب الأهلية التي كادت تعصف بأمريكا ككل، الولايات المتحدة التي ناصرت المجازر الإسرائيلية في فلسطين ولبنان، والتي أقامت مجازر هيروشيما وناغازاكي في اليابان ومجازرها في العراق وأفغانستان.
إنه المنهج الرائد نفسه في العالم، نهج القوة والسطوة والسيطرة والإيلاف والعهد بين اليهود والأمريكيين الذين دعموا اقتصاد أمريكا فترة الكساد العظيم، وخلال الحرب العالمية الثانية، حتى تقضي الأخيرة على نازية هتلر للأبد.
لتدعم نازية أكبر وأكبر تقتل الطفل والمرأة دون تفريق، وتنكل بالجثث وتعذب الأسير وتتشدق بحقوق الإنسانية وديمقراطية المسار السياسي.
غزة ليست الأندلس حتى يخرج منها المسلمون بسهولة، وليست الهند في أقصى الأرض حتى لا يوليها الإسلام أولياته، غزة هي الأرض التي أصبحت تحرك الوجدان العربي الصامت والضمير العربي النائم وربما الأمل الأخير للضغط على الصهاينة، إما للجلاء الكامل وتحقيق نصر مؤزر، أو على أقل تقدير الوصول الى حل الدولتين، وهنا الحديث على دولة ذات سيادة كاملة، وهذا ما لن تسمح به إسرائيل المارقة.
في تل أبيب فخر الصناعة الأمريكية في المنطقة يتشدق أنطوني بلينكن وزير خارجية الولايات المتحدة بأنه يزور إسرائيل ويتضامن معها، ليس كونه وزير خارجية فقط، بل لأنه يهودي أيضاً، في إشارة إلى أن طوفان الأقصى كان بمثابة عملية ضد اليهود وليست ضد دولتين هما إسرائيل وفلسطين. شيدت الولايات المتحدة جسرها الجوي المعتاد في الحروب، سواء عام النكسة أم في 1973، والآن في طوفان الأقصى، لتحافظ الولايات المتحدة على علاقتها الطيبة بالكيان وبقيمته المالية في الاقتصاد العالمي الذي يمثل العمود الفقري للاقتصاد الأمريكي، كما تتبنى وتدافع عن نظرية التهجير التي قامت عليها الولايات المتحدة ذاتها، وكأننا أمام مُسلَّمة كارل ماركس بأن التاريخ يعيد نفسه في المرة الأولى كمأساة وفي المرة الثانية كمهزلة، وربما لمرات ومرات إذا ما استطاعت إسرائيل تنفيذ مخططها بالسيطرة من الفرات إلى النيل، أو من الخليج إلى المحيط.
لا تزال إسرائيل حتى هذه اللحظة ومنذ تأسيسها تمارس أبشع الجرائم التي ممكن أن تصنفها في مصافي الدول والكيانات الإرهابية، لكن الحظوة الدينية والمال السياسي والموساد وغيرها جعلت صناع القرار في العالم العربي أو العالم بأسره رهناً لإسرائيل التي يرونها -سراباً- خارقة، بينما هي أضعف من بيت العنكبوت، تمارس إسرائيل القتل ويزداد حقد المسلمين والعرب عليها، تمارس إسرائيل القتل فيتكاثر المسلمون ويهرب الإسرائيليون من أرضهم المزعومة، يسرف الإسرائيليون في القتل فنزداد يقيناً أن نصر الله قادم، وأن نهاية هذه الدولة آنية لا محالة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.