استطاعت المقاومة الفلسطينية فرض إرادتها في ميدان المواجهة، خاصةً أنها لم تخسر عسكرياً، حيث مازالت تُكبد الاحتلال خسائر كبيرة منذ بداية الحرب، فكانت الضربة الاستباقية الموجعة والمؤلمة بدايةً لإحداث تغييرات كبيرة على المستوى السياسي والعسكري للمنطقة والعالم.
منذ اندلاع الحرب على غزة والداخل الإسرائيلي في صدمة هائلة ومؤلمة، إذ تحوّلت المظاهرات إلى حالة من الضغط النفسي الهائل على رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو ومجلس الحرب، بسبب ملف الأسرى المحتجزين لدى المقاومة. فوفقاً للصحف العبرية يتظاهر مئات الإسرائيليين أمام منزل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو؛ للمطالبة بالإفراج الفوري عن الأسرى في غزة، مطالبين أيضاً باستقالته فوراً.
وفي محاولة منه لتهدئة الشارع الغاضب، أكد نتنياهو في مؤتمر صحفي له، بالتزامن مع الاحتجاجات، أن مفاوضات الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة تتم مع رئيس الموساد يوسي كوهين.
في المقابل نجحت المقاومة في إدارة ذلك لصالحها، وعملت على الحرب النفسية؛ فكلما رأت تظاهرة من هذا النوع تتحدث عن الأسرى أو تطلق أسيراً، لتظهر رفض وتعنت إدارة الاحتلال الإسرائيلي، ما يزيد الضغط عليها، بينما تستمر المقاومة في إطلاق صواريخها على نفس الوتيرة للدفاع عن شعبها، ما يجعل حكومة نتنياهو أمام غضب واسع من قِبل الإسرائيليين.
بينما خارجياً وقبل أسبوعين، نقلت صحيفة هآرتس عن بعض المصادر أن البيت الأبيض ومسؤولي إدارة بايدن يشعرون بالقلق من عدم وجود استراتيجية للخروج من غزة لدى إسرائيل؛ ولذلك ربما قد تكون الهدنة طوق نجاة أو انسحاباً تكتيكياً من غزة يحفظ شيئاً من ماء وجه جيش الاحتلال المهزوم والمأزوم في رمال غزة.
يعتقد المسؤولون الأمريكيون أن نتنياهو مثل الرجل الميت الذي يمشي على قدمين فقط، فهو يخشى قبول الهدنة لأنه يشعر بتهديد مستقبله بعد هذه الكارثة.
الاحتلال الإسرائيلي في موقف مهزوم في الحالتين، سواء استمرت الحرب أو توقفت، في هذا السياق لمّح المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أن المؤسسة الإسرائيلية بالمستويين السياسي والعسكري باتت لديها قناعات بأنه لا يمكن تحرير الرهائن من خلال القصف وشنّ الغارات والعمليات العسكرية في قطاع غزة، لافتاً إلى أن الهدف المعلن من وراء الحرب وهو تحرير المختطفين الإسرائيليين بدون صفقة لم يتحقق.
بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي فالأمر حقيقة خيار بين السيئ والأسوأ، فعملية الحرب الحالية سواء استمرت أو توقفت، في كلتا الحالتين هي خسارة وهزيمة للاحتلال، إذ لم تتمكن قوات الاحتلال بعد أكثر من 40 يوماً من الاقتراب من تحقيق أهدافها المعلنة، ناهيك عن الخسائر التي تتكبدها كل يوم، ولذلك يمكن اعتبار الهدنة في مثل هذا الوضع كالاعتراف بالهزيمة، وخاصةً أن استئنافها ربما ستكون له تكلفة مضاعفة.
فإذا واصل الاحتلال الإسرائيلي الحرب فسوف يواجه تكثيف الاحتجاجات الدولية ضده، بالإضافة إلى أنه سيستمر في تكبد خسائر عسكرية واقتصادية كبيرة، ما سيُشعل المزيد من الاضطرابات دخلياً.
إن المقاومة بعزمها وصمودها وجَّهت ضربة قوية للاحتلال وأجبرته على الهدنة، حتى وإن أعلن نتنياهو عن نيته استمرار الحرب بعد الهدنة، فقد أثبت أصحاب الأرض أن لهم اليد العليا في المعركة البرية، وأن الاحتلال قد خسر المعركة في الميدان وخارجه، ولم يحقق أياً من أهدافه المعلنة. فقد حققت المقاومة انتصاراً على عدة مستويات، وأوصلت رسالةً واضحةً للعالم بأن الشعب الفلسطيني ومقاومته قادرون على فرض إرادتهم ورغبتهم وفضح الاحتلال وداعميه أمام العالم. تلك الهدنه تأتي من رحم المعاناة و أنياب الحصار، وبكل موازين الحرب فإن فرضت غزة واقعاً جديداً على الأرض.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.