لماذا يبدو المشهد غائباً بالنسبة للشعوب الغربية فيما يخص قضية فلسطين والاحتلال الإسرائيلي لها؟
كانت معظم الإجابات تبدو منطقية تماماً بالنسبة لي؛ لأن الإعلام الغربي نفسه أراد لهذه القصة أن تسير على النحو الذي يُظهر الأرض كأنها مُشتركة، وكأنها لا تقوم في أساسها على فكرة أصحاب الأرض والمحتلين، إذ يبدأ تاريخ القضية الفلسطينية بداية من يوم السابع من أكتوبر الماضي فقط.
وبما أن هذا الأمر قد حدث؛ فإن فكرة نفيه وتصحيحه كانت تحتاج إلى إعلام أحدث وأقوى، إعلام كما نُسميه البديل، وهو الذي يتمكن من تصحيح الفكرة بناءً على قاعدته الجماهيرية الضخمة التي تجعل كل من يُشاهده يقتنع بأن كل ما تعايش معه في حياته كان محض أكاذيب ليس إلا!
وبالتالي، كانت مهمة إظهار الحقيقة هي مسؤولية كاملة بالنسبة للنجوم والمشاهير العرب، الذين قدّموا ملاحم كبيرة خلال الفترة الماضية، والتي كان لها أثر كبير بشأن إيصال الكثير من الأفكار الصحيحة لكل من تم تغييبه.
ما لا نعرفه نحن، هو أن الاحتلال الإسرائيلي عبر أبواقه البعيدة عن أرض فلسطين، حجب على المشاهير أن يتحدثوا بصيغة مباشرة أو غير مباشرة نحو القضية، أن يعيبوا إسرائيل أو أن يُطالبوا بحق فلسطين!
نعم، هذه هي الحقيقة؛ فالاحتلال لا يحجب الأرض عن أصحابها فحسب، بل يمنعهم أيضاً من أن يكونوا بشراً، من أن يحصلوا حتى على حق الدفاع عن أنفسهم، أو أن ينوب عنهم في موقف الدفاع أي إنسان آخر.
لا تندهش، إذا رأيت الكثير من المشاهير الغربيين قد أيدوا الاحتلال بسبب عملية السابع من أكتوبر عام 2023؛ وكأنهم يعتقدون أن ما حدث يوم السابع من أكتوبر هو حالة من التعدي من المقاومة الفلسطينية على الأراضي الإسرائيلية، وكأن هناك أراضي إسرائيلية وأخرى فلسطينية!
المشاهير الأمريكيون، يحظر عليهم أن يُشيدوا بأي موقف كامل ضد إسرائيل بسبب وجود الكثير من المتابعين الذين يقفون بجوارهم ويدعمونهم، ناهيك عن التهديدات والخسائر التي سيجنيها المُتحدث، والتي لن تكون فقط في إطار مجاله، ولا في عقود الرعاية؛ وإنما في التهميش الكامل الذي سيلحق به إذا فعل ذلك.
لكن يوم السابع من أكتوبر من جهة أخرى، قد منح الكثير من الناس ضرورة جديدة تقتضي أن يذهب نحو معرفة التفاصيل ثم يُقرر بنفسه، ومن بين هذه التفاصيل كان المشاهير الغربيون كذلك هُم المبادرين بإظهارها.
كان من بينهم الأسطورة إيريك كانتونا، اللاعب الفرنسي الأسبق الذي اشتهر بمواقفه الصلبة التي لا تعرف التهاون أبداً مع أحد، فهذه ليست المرة الأولى التي يختار فيها كانتونا أن يقف إلى جانب أصحاب الأرض، إذ سبق أن أطلق حملة تضامن عام 2021، لإعانة الفلسطينيين، مسلّطاً الضوء على انتهاكات العدو الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
كما شارك في توقيعات تم جمعها في عام 2012 للمطالبة بالإفراج عن اللاعب الفلسطيني "محمود السرسك" الذي كان معتقلاً في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2009.
ولم تكن تلك المواقف عابرة، بل معبرة عن انحيازات كانتونا الواضحة، فلطالما ظل وفياً لانحيازاته الإنسانية وحقوق الشعوب بشكل واضح للغاية.
واليوم لم يعد إيريك كانتونا ذلك النجم السابق الذي يجيد اللعب بكلتا قدميه فقط، بل أصبح رمزاً لدعم القضية الفلسطينية بما تمثله من كل معاني الحق والتحرر، وبكل تأكيد لم يكن الوحيد الذي غير من وجهة نظر الناس عن القضية كلها.
وبطبيعة الحال كان دييجو أرماندو مارادونا من بين الأساطير الذين تشبثوا بالوقوف بجوار الحق، كيف لا وهو اللاعب الذي قامت أسطورته في الأساس على نقل الصراع الإنساني بين أبناء الجنوب والمستعمرين، وأعلن بحماسته واندفاعه المعتاد مناصرة أي حركة تحرر أو تمرد على مستعمر، فلذلك كان منحازاً لفلسطين قائلاً: "أنا أحب فلسطين، أنا فلسطيني!".
لكن اليوم أكثر من قدّم نفسه كمحامي الدفاع الأول عن القضية الفلسطينية خلال كل ما حدث؛ كان النجم الفرنسي ولاعب نادي برشلونة الإسباني جويل كوندي، الذي ظهر لعدة مرات، لكنه خلال هذه المرات قدم الكثير من الخُطى الثابتة في الدعم.
بادر جويل كوندي بالدعم، عن طريق نشر معلومات كاملة حول القضية عبر حسابه الشخصي، ثم نشر الأسماء الكاملة لكل الشهداء الفلسطينيين في الآونة الأخيرة والذين كتب معلقاً عليهم: "لكيلا ننسى".
واستمر كوندي حتى حينما اشتدت الانتقادات الإسرائيلية بحقه، استمر النجم الفرنسي في دعمه، وهو الذي قال إن ما يحدث لا يجب أن يمحو من العالم إنسانيته، وأن يقف لنُصرة هؤلاء المستضعفين في الأراضي الفلسطينية.
هذا الدعم الكبير، أثره لا يبدو سهلاً في التو واللحظة، لكن الدعم الذي أحدثه جويل كوندي في هذه القضية، يمكنك أن تُشاهده بعد لحظات من كل حديث أو قصة أو كلمة يُلقيها بشأن القضية.
حيث اتضح أن حجب المحتوى الفلسطيني لم يكن فقط على الفئة العربية، بل يشمل هذا الحجب كل دول العالم؛ وكأن سادة الاحتلال يرتعدون في أماكنهم من اسم فلسطين ليس إلا، وكأنهم كانوا واثقين من أن أكاذيبهم لن تعيش طويلاً!
هذا الحجب؛ رغم أنه يسقط لديك التفاعل، فتجد نفسك تنشر وتتحدث وكأنك تُحدث نفسك فقط، كان ذلك بمثابة انطلاقة كبيرة للأشخاص الذين لم يكونوا يعون الصورة بإطارها الكامل، فدفعهم ذلك للبحث عن المعلومات اللازمة لمعرفة كافة التفاصيل.
في الآونة الأخيرة، زاد عدد النجوم الذين يدعمون القضية الفلسطينية قلباً وقالباً في الخارج، وبالطبع كان أغلبهم من العالم العربي، فبكل نبل اختاروا أن ينحازوا لشعوبهم وقضاياهم، متجاهلين عن عمد كل الصعوبات التي يمكن أن يواجهوها في مستقبلهم، خاصة وهم لاعبون في بداية طريقهم.
فرأينا أنور الغازي اللاعب ذا الأصول المغربية يتعرض للتحقيق، والذي لم يتوقف عن دعمه للقضية الفلسطينية رغم كافة الأمور التي وضع نفسه بها، ورغم أنه استُدعي للتحقيق، لم يهتم أنور الغازي من أجل عقده، وهو القائل إنه لم يعتذر عما بدر منه كما ادعى ناديه ماينز، وإنه ما زال مُصراً على ما قاله، حتى انتهى به الحال إلى فسخ عقده من النادي الألماني بشكل صارم!
في الجانب الألماني، يبدو أن ألمانيا كالذي ارتكب الجريمة ثم مسح الدماء في يد من يقف ليشاهد، وقرر نادي بايرن ميونخ أيضاً أن يستدعي المغربي نصير مزراوي للتحقيق بشأن دعمه المتواصل والمستمر للقضية الفلسطينية، وهو أمر أزعج إدارة النادي. ويبدو أن ألمانيا ما زالت لا تريد أن تتغاضى عن ماضيها العنصري.
يسعى الاحتلال الاسرائيلي بكل قوة لمنع وتكميم الأفواه، ليس فقط من أجل احتلال الأرض وأخذها، سواء بالقوة أم باللين، وإنما بمحاولة منع القصة من الانتشار بروايتها الصحيحة والأصلية، لكن رغم كل هذه الجهود وكل هذه التكلفة التي سيتحملها أي شخص يتحدث في هذه القضية بطريقة لا تُرضي الاحتلال وداعميه، يظل هناك أبطال فضلوا الانحياز للحق دائماً، مدافعين عن القضية الفلسطينية ضد الاحتلال.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.