يقول الأكاديمي الفلسطيني عبد الستار قاسم: "المجتمع الدولي تعبير عن صناعة وهم لدى الشعوب، وخلق انطباع بأن هناك قيماً عالمية تقوم على أساس المبادئ الإنسانية واحترام حقوق الإنسان"
تواصل إسرائيل القيام بعمليات إجرامية في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقد اتسمت هذه العمليات بطابع إبادة ومجازر متواصلة. ورغم مرور أكثر من 40 يوماً، فإن الأمم المتحدة مازالت تقف متفرجة ولم تتخذ موقفاً واضحاً تجاه هذه الإبادة في غزة، ولم تفرض أية عقوبات تكون قادرة على وقف هذا العنف الإرهابي الذي يطول الأبرياء في غزة.
الموت يتسارع كل ساعة ويخطف حياة آلاف الأطفال والنساء، بينما يظل عجز الأمم المتحدة عن اتخاذ إجراءات فعّالة لمنع هذه الجرائم الجماعية. يظهر هذا التقاعس في تحقيق أهداف الأمم المتحدة، مثل "منع الحروب وتهديدات السلام" وإعادة إرساء "السلام" المأمول، مدى هشاشة العالم الذي نعيش فيه اليوم، ما يزيد الناس إيماناً بعدم جدوى تلك المؤسسات الدولية والأنماط النظامية التي تتظاهر وتدعي أنها تدير العالم بشكل هو الأفضل منذ قرون. إذ يشهد الجميع اليوم عجزاً كاملاً للأمم المتحدة عن فرض أية إجراءات حازمة لوقف العنف وحماية حياة الآلاف من الأبرياء في غزة.
يدرك الشعب الفلسطيني منذ زمن مدى خواء المؤسسات الدولية التي لا تصدر غير خطابات، في أحسن الظروف، تدين وتشجب الاحتلال وبطشه الدائم، لكن يكمن الخطر اليوم في أن باقي العالم بات يدرك هو الآخر، أن الأمم المتحدة غير قادرة على أن تتحمل مسؤولياتها بشكل كافٍ، ما قد يدفعه إلى اتخاذ شتى الوسائل لتحقيق أهدافه. وهذا الوضع قد يؤدي إلى تداولات سلبية في عدة مناطق جغرافية حول العالم، ما يزيد من فشل النظام الدولي في التصدي لأزمات الحروب والإبادة.
يرتبط الوضع الحالي في غزة بتداعيات أخرى في مختلف مناطق العالم، خاصة في أفريقيا، حيث تظهر نتائج عدم وجود قوة رادعة لمنع التطهير العرقي وعدم قدرة الأمم المتحدة على التصدي للأزمات الإنسانية بفعالية. بالإضافة إلى ذلك، تزيد هذه الأحداث من خطر تفاقم الوضع في مناطق النزاع النشطة والمجمدة، ومع استغلال الفجوات داخل النظام الدولي في تلك المناطق سيزداد بطش الدول الكبرى وأذرعها للفتك بالمدنيين في كل بقاع الأرض، ما يزيد من حالة التباعد بين الأفراد والمؤسسات على جميع المستويات.
إن وحشية الاحتلال الإسرائيلي ليست بالأمر الجديد، ولكن حجم وحشيته هذه المرة لا يشبه أي شيء في الماضي، ليس فقط حجم الدمار في غزة، والقوة التدميرية للقنابل التي ألقيت، وعدد الضحايا المدنيين، ولكن أيضاً خطابات الاحتلال، وخاصة رئيس الوزراء نتنياهو، تختلف بشكل كبير عن خطابات وتعابير الماضي، إذ تذخر بالهستيريا والدموية الصريحة.
فمنذ هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، استخدم نتنياهو خطاباً "دينياً" أكثر من أي وقت مضى في حياته السياسية. وهو يشير باستمرار إلى الكتاب المقدس، سواء في خطبه لرفع الروح المعنوية في قواته، أم في خطابه العام، أم في الرد على الأسئلة التي يوجهها.
ورغم أن نتنياهو معروف أنه غير "متدين" في حياته الخاصة ومساره السياسي، إلا أنه يكاد يكون غير قادر على الكلام دون الرجوع إلى تلك الأقاويل الدينية، ما يعكس شكل الحرب الهستيرية والعنصرية التي تقف أمامها الأمم المتحدة متفرجة، بينما يدعمها الغرب باسم "التحضر".
ربما لا تغفل المؤسسات الدولية والحكومات الغربية أن حياة نتنياهو السياسية تنتهي، لكن ما تغفله أن العالم سوف يذكر دائماً عجزها الدولي أمام المجازر، إذ سوف يُذكر مؤسسياً دائماً أنه ظل صامتاً إزاء الإبادة الجماعية والمجازر التي يرتكبها الاحتلال في غزة والأراضي الفلسطينية.
إن غياب فاعلية المؤسسات الدولية بهذا الشكل سيؤدي إلى تفاقم مشاكل الأمن العالمي في المستقبل. كما ستزداد صعوبة مكافحة التهديدات التي يتعرض لها السلام والأمن. بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل جداً أن تكتسب الفوضى المزيد من الأرض في النظام الدولي. ولذلك فإن تداعيات الصمت إزاء المجازر والإبادة الجماعية في غزة، ربما تنعكس على العديد من أزمات مماثلة في بلدان عدة حول العالم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.