حينما نتحدث عن الفرق بين الإنسان والحيوان، نجد أن الفرق يكمن في شيئين أساسيين، ألا وهما العقل والنطق، أما العقل فهو أمر بديهي، فلنأتِ للاختلاف الثاني؛ حيث إن الإنسان لا يصبح قادراً على التواصل مع غيره سوى بالكلام، فإذا كان بإمكان أي إنسان، من أي عِرق كان على هذا الكوكب، القدرة على النطق بكلمة حق لأجل رفع الظلم عن أخيه الإنسان ولم يفعل.. فماذا يمكننا أن نسميه؟!
لننتبه جميعاً، فالقاع قد أصبح مزدحماً أكثر مما يلزم، يعني أن من كانت لديه النية للنزول أكثر، صار مجبراً الآن على أن يتشبث بسلم الصعود من جديد، فحتى المؤتمرات والتصريحات العربية لم يعد لها مكان، فلكم أن تتخيلوا الوضع الذي وصلنا إليه كعرب. وكي نتفادى خطورة الانزلاق نحو القاع، علينا كل من موقعه أن يقدم كل ما يستطيع عما يجري، ويرفع صوته لدعم قضية محقة لها تاريخ، ربما سيقول بعضنا: ماذا يمكننا فعله أو نتحدث به؟
هل سنتحدث عن الوحدة العربية وما يمكن أن تفعله دون أن نصاب بالإحباط بالحديث عما يتخللها من تعقيدات وأحاديث مملة، ألم نتحدث ونعقد الكثير من المؤتمرات والاتفاقات على مدار القرن الأخير ولم نفعل شيئاً؟ أم آن الأوان نستسلم، فربما كان هذا وهم!
هذا بالضبط ما حاولت الهيمنة الغربية زرعه وعلى رأسها الولايات المتحدة زرعه في وعينا، استحالة الوحدة العربية، بل أبدلتها بالحلم الأمريكي "الأمريكان دريم"، وكل ما يمثله من مميزات التي صيفت في مسميات (الحرية، الديمقراطية، حقوق الإنسان، والمساواة، رخاء اقتصادي … إلخ) ليلجم لسان وعقل كل من سولت له نفسه بالسير خارج حدود استراتيجيته وهيمنته، كل هذه الشعارات البراقة التي غلفت "بالتحضر" ما لبثت أن سقطت اليوم، فعن أي حضر ذلك الذي يدعم وينتج في غضون شهر أكثر من 12 ألف شهيد كلهم من الأطفال والنساء، لقد حملنا بشعارات لنلتهي بها عن حلمنا في الوحدة.
يبدو أن حلمنا العربي لم يكن وهماً كما اعتقدنا، فهو أشرف بكثير من أن يكون وهماُ، الحلم العربي الذي عُرض كأوبريت عام 1998 أثناء انتفاضة الأقصى الثانية، حيث حمل شعارات مثل "اتحاد الدول العربية" ونصرة بعضنا البعض.
جاء هذا الأوبريت في فترة كان يلعب فيها الفن دوراً مهماً لتمرير الرسائل والتأثير بالمجتمعات، فقبل الحلم العربي، كتب الشاعر الليبي علي الكيلاني عام 1987 كلمات لأغنية "وين الملايين" التي أدتها اللبنانية جوليا بطرس ورفيقاتها أمّا عرفة من سوريا وسوسن الحمامي من تونس، في رمزية وتمثيل حينها لهوية المواطن العربي الذي ينبض قلبه بالقضية، حيث كانت تلك الأغنية تحية لكل الفلسطينيين الأحرار، وداعماً قوياً في وجه الاحتلال الإسرائيلي، ولشدة تأثير كلماتها دخلت حتى أروقة زعماء العرب.
حينها كانت شعلة الغناء التحريضي تنتشر بشكل كبير، التحريض الإيجابي، حيث صار الجميع يردد "وين الملايين؟ الشعب العربي وين؟ الغضب العربي وين؟ الدم العربي وين؟ التضامن العربي وين؟".
صار مطلع هذه الأغنية الوطنية شعاراً لكل الأحرار في العالم العربي، حيث طُرحت به خمسة أسئلة وجودية، وإلى اليوم للأسف تظل تلك الأسئلة دون إجابة، إذ لم نعثر عليها إلى اليوم، لأسباب لا تخفى على أحد. وبدلاً من ذلك، وجدنا الشعب غالبيته استشهد، والغضب ازدادت حدته، والدم تم سقي زيتون الأرض به، أما التضامن العربي فقد تم ذكره في تصريحات القمة العربية الأخيرة.
للأسف، أصبحنا في زمن شديد الهشاشة والسطحية، ولا تملك الشعوب العربية قرارها، لأجل هذه الأيام الصعبة ندرك أنه ربما الفن يمكن أن يكون له دور في إيصال صوتنا، كونه يستطيع أن يهز وعينا ويعيد طرح أسئلة تستهدف المعنيين ويرسخ أفكاراً في العقول المتحجرة ويقدم الدعم المعنوي أيضاً، فكم مرة غنت فيروز وعبد الحليم وغيرهما لأجل ذلك، لطالما غنوا للأوطان وللشعوب وحتى أم كلثوم حيّت البندقية للدفاع عن الأرض، كل ذلك ساهم في تثبيت الوعي بقضايانا.
اليوم يجدر بنا أن نقاوم، ونقدم كل ما بأيدينا حتى ولو عن طريق الكلمات والحديث والغناء إلى حين، يجب أن نعمل على استعادة ذلك الوعي والحلم العربي بالوحدة بكل الطرق؛ لنتمكن من تحرير فلسطيننا وتقوم وحدتنا يوماً ما.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.