هستيريا الاحتلال الإسرائيلي تفوق الوصف؛ إذ تستبيح الدم الفلسطيني البريء، بعد أن فشلت في تسجيل أي نصر حقيقي على المقاومة الفلسطينية، قصف المدارس والمستشفيات وقتل الآلاف من البشر دون ذنب، وسط عالم يتابع ويكتفي جزء منه بالنقد والشجب، بينما يؤيد ويدعم العالم الآخر ما تقوم به آلة القتل الإسرائيلية لتشبع رغبات مستوطنيها.
يبدو أن هذا العالم شديد الهشاشة؛ إذ لا وجود لأي قيم أو مبادئ، كلها كانت أكاذيب مزيفة كشفتها حرب الإبادة على غزة. قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي مدرسة الفاخورة المكتظة بالمدنيين العزل الذين لجأوا للمدرسة بناء على تعليمات بمغادرة بيوتهم، ورغم ذلك تم قصفهم وقتل المئات منهم، وهو نفس الأمر الذي حدث من إبادة للمدنيين في مدرسة تل الزعتر، وكأنه أصبح أمراً عادياً لقادة الدول الكبرى والمنظمات الدولية، وعجزها عن مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
وما زال يتواصل قصف المستشفيات؛ المعمداني والإندونيسي والشفاء والميداني الأردني وغيرها الكثير، وتم قطع الوقود عنها، وتم قصف مستودعات الأدوية فيها، وعجزت المستشفيات عن تقديم الخدمات للمصابين، في مشهد معيب جداً لا يمكن أن يرتكبه بشر، ولكن لماذا كل هذا الدعم الأمريكي لهذه الإبادة؟ لماذا كل هذا الإجرام المقزز؟ لا يمكن أن يتصور العقل الإنساني البسيط أي مبرر لما يحدث في غزة، ولا يمكن أن يكون هناك أي مبرر مهما كان يبيح قتل هذا الكم من البشر بهذه الكيفية.
ولم تنجُ آبار المياه ومحطات التحلية من القصف، في تكملة للجريمة المتكاملة، وهي جريمة لا يمكن تبريرها بما حدث يوم السابع من أكتوبر، هي جريمة مخطط لها مسبقاً، وتؤكد ما يتم تداوله في الإعلام الغربي عن أهداف السيطرة على غزة، ومنها السيطرة على بحر الغاز تحت قطاع غزة، وهذا يتطلب الخلاص من أي قوة لا تنطوي تحت السيطرة الأمريكية في المنطقة.
من اللافت للنظر ضعف الموقف الروسي والصيني في هذه الحرب، وهذا ما يمكن أن يتم تفسيره بمدى إدراك القوتين النوويتين لتبني واشنطن للاحتلال الإسرائيلي، ولذلك فإن تدخل الصين وروسيا ربما يجعل الولايات المتحدة تدخل الحرب بكل قوتها العسكرية والنووية؛ لأن هذا المشروع يختلف عن حرب أوكرانيا، على سبيل المثال، فالحرب على قطاع غزة هي للحفاظ على المشروع الذي ورثته الولايات المتحدة من أوروبا، بينما الحرب في أوكرانيا هي جزء من مشروع توسعي أمريكي للقضاء على القوة الروسية، وأيضاً السيطرة على الثروة في محيط البحر الأسود.
يستفرد جيش الاحتلال المدعوم عسكرياً من الولايات المتحدة بقطاع غزة، بينما يقف العالم مراقباً لا يقدم شيئاً، فأصبحنا يومياً في سلسلة غير إنسانية من متابعة الحدث، وكأن الشهداء مجرد أرقام، قرابة 12 ألف شهيد وأكثر من 30 ألفاً من الجرحى، وفي اليوم التالي ننتظر الرقم الجديد، وصلنا لمرحلة غير إنسانية داخلية نتابع فيها أعمالنا ونتحدث عن الإبادة وكأنها مجرد أرقام!
لطالما عملت القوى الغربية على ترويج مفهوم "الإرهاب" الذي تصدر وسائل الإعلام الغربية منذ الحرب ضد "القاعدة"، وتم ربط "الإرهاب" بالإسلام، في تاريخ مزيف مبتذل يؤكد كراهية الحكومات الغربية الحقيقية في العالم الغربي تجاه العالم الإسلامي، رغم أن العديد من العلماء المسلمين يساهمون يومياً بتحقيق النمو والتطور في العالم الغربي، وكانوا وما زالوا جزءاً أساسياً من الحضارة الغربية، التي ثبت أنها قائمة على العنصرية وكراهية المسلمين.
لكن إبادة الشعب الفلسطيني يومياً في المدارس والمستشفيات أثبتت بوضوح من يرعى الإرهاب ويمارسه بشكل دوري منذ عقود، ليس في فلسطين فقط، بل في العديد من البلدان، إذ لم تتورع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها عن تفتيت العديد من البلدان من أجل الحصول على ثرواتها، وما زالت العراق وأفغانستان وسوريا شواهد حية على تلك الجرائم.
واليوم يربط المسؤولون الأمريكان وقف إطلاق النار بإطلاق سراح الأسرى، وبهذا تبرر أمريكا الإبادة، واستمرار الإرهاب من قبل المحتل الاسرائيلي.
لن تعود الساعة إلى الخلف، وستكون للإبادة في غزة عواقب وخيمة على العالم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.