لا تزال المقاومة تبدع في التفوق والنجاح وتتحكم في المعركة ومسارها وتسحب الجيش الإسرائيلي إلى حتفه في رمال غزة؛ حيث تنتظره المقاومة الإسلامية بجميع أشكال وأنواع الموت المحقق.
لم تجدِ تلك القوة العسكرية التي يمتلكها الجيش الإسرائيلي المحتل في استعادة كرامته وهيبته والأسطورة التي لا تقهر، فلقد تخطينا أكثر من أربعين يوماً في معركة غير متكافئة عسكرياً بتفوق العدو الإسرائيلي استخباراتياً وعسكرياً وتكنولوجيا قمة في التطور ومجنزرات بملايين الدولارات!
أسقطت المقاومة منظومة الردع الإسرائيلية الكاذبة وحطمت مشروعاً استعمارياً لمنطقة الشرق الأوسط؛ وأجهزت على دولة إسرائيل المزعومة التي كانت تفتخر بتفردها في الشرق الأوسط.
ومن رحم المعاناة وأنياب الحصار خرج طوفان الأقصى ليبعثر تلك الأوراق ويهدم الخطط الأمريكية للمنطقة ويجهز على مشروع ابتلاع المنطقة لصالح استعمار يريد أن يبقى لمدة مائة عام أخرى!
إن نموذج المقاومة الإسلامية المنضبطة هو نموذج متماسك وشفاف ونظيف وعقلاني ومحدد الأهداف والاستراتيجية؛ يتمتع بعلاقات دبلوماسية عالية وقبول واستحسان عالمي، ومختلف تماماً عن حالات المقاومة التي تمت صناعتها استخباراتياً لتنفيذ أجندة دولية وإفراغ نموذج الجهاد من مضامينه الأخلاقية وإهدار سمعة المجاهدين وتصدير فزاعة الإسلاموفوبيا في العالم.
وكما يقول أحد الباحثين: إنّ العدو اليومَ يعدّ العدة للقضاء على هذا النموذج العقلانيّ، وتحويله إلى رماد، مثلما فعلوا مع ربيعنا العربي، إنهم في ورطة كبيرة، فنجاح "حماس" يعني أن يشتعل الربيع العربي من جديد ويعيدُ السياسيين الإسلاميين ليكونوا أملَ الشعوب المتعطشة للحرية؛ لأنه المشروع الذي سينجح فيما فشلت فيه كلّ الحكومات التي تحكم الشعوب بفتاوى السلاطين أو بتحالفات العِلمانيين معها.
قَدح "طوفانُ الأقصى" روحَ المقاومة مجدداً في الأمّة، وكانت هذه المرّة ليست كسابقاتها!، فالنموذج الحمساويّ امتاز بـ(العقلانية القتالية)، وهو أشدّ نموذجٍ يخشاه الاحتلال الإسرائيلي ومن خلفه الغرب وأمريكا وصهاينة العرب.
إنّها عقلانيةٌ هدفها واضحٌ، وقيادتها معروفةٌ، وتاريخها ناصع بالبياض وبالشهداء، لها رؤيةٌ استراتيجيةٌ، وتعرف دائرة الصراع وحدوده، تمتلك تحالفاتٍ إقليميةً وعلاقاتٍ دوليةً، والأهم من ذلك جميعه هو أنّها تحظى بتأييد الشعوب العربية والمسلمة لها بوصفها حركة تحرر من الظلم والطغيان والاستبداد.
ومن هنا يحاول المتحدث العسكري الإسرائيلي البحث عن رواية يسوقها للعالم من خلال اقتحامه مستشفى الشفاء وعرض مشاهد العبثية التي سخر منها العالم وضحك من سذاجتها وطفولية حبكتها زاعماً أن حماس تدير معركتها من تحت أنفاق أسفل مستشفى الشفاء!
وقد جاء اقتحام مستشفى الشفاء في ظروف تواصل مع قطر للوساطة في ملف الأسرى وكان الاتفاق على إطلاق سراح مائة من الأطفال والنساء المعتقلين مقابل مائة من سجون الاحتلال وحددت المقاومة مهلة عشر ساعات لقبول الاتفاق لكن إسرائيل استبقت الأحداث باقتحام مستشفى الشفاء اعتقاداً أن فيه أسرى يمكن تحريرهم وفي نفس الوقت بروباغندا ممنهجة أن المستشفى به مركز لقيادة المقاومة، ولكن نالت تلك الرواية سخرية العالم واضطرت إسرائيل للعودة إلى المفاوضات حتى تم إغلاق التواصل مع السنوار دون تحريك الملف أو تحقيق مكاسب!
ولم يقتنع العالم بتلك الروايات الكاذبة التى زادت من توحل الجيش الإسرائيلي في مستنقع غزة وعدم قدرة القيادة السياسية والعسكرية على التراجع والاعتراف بالهزيمة وقبول وقف إطلاق النار!
ولا يزال الرئيس بايدن متمسكاً بحبال الكذب وليس عنده خيار غير الدعم والمساندة اللامحدود للاحتلال الإسرائيلي مهما كانت الظروف، وأمام ذلك المستنقع الذي لا نهاية له تحركت المعارضة الإسرائيلية في اتجاه الضغط بتنحية نتنياهو؛ حيث:
دعا رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد إلى إقالة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من منصبه "الآن أثناء القتال"، وتشكيل حكومة بديلة، فيما وصف حزب "الليكود" بزعامة الأخير تصريحاته بـ "المؤسفة والمخزية".
وقد جاء ذلك في مقابلة أجرتها القناة (12) الإسرائيلية الخاصة مع لابيد مساء الأربعاء 15 نوفمبر/تشرين الثاني، وقال لابيد: "على نتنياهو أن يرحل الآن أثناء القتال، فلنجلس الآن تحت قيادة مرشح آخر من الليكود. سنتحدث مع قادة الليكود، هناك الكثير والكثير من الناس، هناك الذين يفهمون أن البلاد ذهبت إلى مكان سيئ".
وهذه هي المرة الأولى التي يدعو فيها لابيد إلى إقالة نتنياهو منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ويقود نتنياهو رئيس حزب "الليكود" منذ ديسمبر/كانون الأول 2022 حكومة مشكلة من أحزاب من أقصى اليمين الديني والقومي في إسرائيل.
وتابع لابيد: "هذه الحكومة لا تؤدي دورها، لكن ليس من الصواب الذهاب إلى الانتخابات الآن، نحن بحاجة إلى التغيير؛ نتنياهو لا يمكنه الاستمرار في منصب رئيس الوزراء".
ومضى بقوله: "لا يمكننا السماح لأنفسنا بإدارة معركة، سوف تطول، مع رئيس وزراء لا يثق به الجمهور".
وقال: "أعتقد أنه مثل أي مواطن إسرائيلي، فإن ما يهمني في النهاية هو الشيء الأساسي؛ أن تكون هناك حكومة فاعلة. وأنا على استعداد لمشاركة حزبي (هناك مستقبل) والدخول في حكومة يقودها الليكود".
وأضاف لابيد: "أقترح أن نشكل الحكومة مع الليكود، ومع الحريديم (اليهود المتشددين)، ولم أقل ذلك من قبل، ومع (رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور) ليبرمان والمعسكر الرسمي (بقيادة بيني غانتس) -حكومة إعادة بناء وطني".
ويرفض نتنياهو الاعتراف بمسؤوليته عن الهجوم الذي شنته حركة "حماس" على مستوطنات جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، رغم إقرار وزراء وقادة أجهزة أمنية واستخبارية إسرائيلية بفشلهم في توقع الهجوم.
لقد باتت إسرائيل في موقف حرج للغاية وكل المآلات لتلك الضربة الموجعة والمؤلمة تشكل هزيمة، حيث إن قبول التفاوض حول الأسرى بمثابة نصر سياسي للمقاومة، ورفض التفاوض حول الأسرى يشكل ضغطاً شعبياً إسرائيلياً ضد الجيش الإسرائيلي والحكومة.
وإن استمرارية المعركة تعني نصراً عسكرياً للمقاومة وارتفاع أعداد الضحايا والخسائر، ووقف إطلاق النار إعلان بالهزيمة وضياع هيبة وسمعة الجيش الإسرائيلي.
كل الخيارات مؤلمة وليس للعدو خطة استراتيجية للتعامل مع الحرب بعد تعقيداتها وكيفية الخروج منها أو إيقافها، ومن الواضح لدينا أن وقف إطلاق النار سوف تنطلق معه نيران أخرى في الداخل الإسرائيلي المنهزم، وسوف تتغير الأوضاع داخل إسرائيل وتتفجر مشكلات كبرى يشتعل معها الخلاف نتيجة عدم الاعتراف بالمسؤولية عن أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول!
سوف تكون المعركة الداخلية تبعاتها ونتائجها مهددة بسقوط إسرائيل، وسوف يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى.
إسرائيل تعيش الألم والفشل وحالة الخيارات المؤلمة، وهذا هو المستقبل القريب الذي ينتظر إسرائيل المزعومة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.