نجحت المقاومة بإسقاط أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر" بلا رجعة، ولم يعد بالإمكان العودة إلى تحسين صورته في العالم؛ إذ نجحت في تدويل القضية الفلسطينية وتذكير العالم كله بأنها قضية عادلة ولن تنقضي حتى ولو بعد احتلال دام 75 عاماً كاملة.
استطاعت المقاومة بعد عقود من النسيان إعلامياً إبراز المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني وقضيته بإحداثها حالة من التضامن الكبير والواسع في العالم بأسره، بل أحدثت شروخات في المواقف الرسمية للدول الأوروبية وأمريكا وبريطانيا؛ ولم تعد رواية الاحتلال الإسرائيلية الكاذبة رواية معتمدة يستطيع أن يسوّقها الساسة وأصحاب المصالح والعقول الضيقة لشعوبهم يصدقونها.
في الميدان حققت المقاومة نجاحاً استخباراتياً بحصولها على معلومات وافرة وكافية رغم الحصار الذي تعانيه جراء المواقف المخزية والمتقاعسة للدول العربية، وخصوصاً دول الطوق المحيطة بالاحتلال، فمن خلال عمليتها أظهرت الهشاشة الأمنية للاحتلال وقواته، بالإضافة إلى جمعها للمعلومات عن قوات الاحتلال وادعاءاته وأدواته.
دمرت المقاومة أسطورة الاحتلال جيشه الذي لا يقهر عسكرياً بتفوقها عليه وقهره وأسر العديد من جنوده، فأحيت الأمل وأعادت اليقين على قدرة تغيير واقعنا المرير، رغم عدم توفر القوة العسكرية التي يمتلكها المحتل، وبثت فينا روح الواجب والجهاد من جديد.
إذ تمكنت المقاومة اليوم من إيقاظ أجيال كثيرة من أبناء الأمة الإسلامية للالتفاف حول القضية، وأعادت الثقة في نفوس الجميع ببعث روح الأمل في التغيير والحرية والكرامة الإنسانية لشعوبنا المظلومة.
فقد أعادت طرح القضية بمنظور مختلف تماماً عن الحالة التي كانت عليها القضية، فما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 ليس كما قبله، فقد تغيّر وعي العالم بلا رجعة، وأصبحت فلسطين محل اهتمام كبير لدى شرائح جديدة من مكونات المجتمعات الغربية والعربية؛ فمنهم اليوم من يتبناها باعتبارها قضية إنسانية، ومنهم من يعتبرها قضية عقيدة ودين ووجود وليست مجرد صراع حدود.
بينما أصبح يحيط الاحتلال الإسرائيلي حالة وشعور عام من عدم الثقة، فقد تغير مفهوم المستوطنين وأوهامهم عن أرض الميعاد المزعومة، فهذه أرض محتلة وليست آمنة للحياة، لأنَّ لها شعباً لا يرضى بغيرها ولا يفرط في ذرة من ترابها، فقد أقدمت المقاومة على إحداث حالة من الهروب الجماعي والنزوح خارج فلسطين لعدد كبير من المستوطنين، حرصاً على الحياة.
بالإضافة إلى كل ذلك، كبَّدت المقاومة الاحتلال خسائر مادية هائلة، إذ ضربت الاقتصاد الإسرائيلي في مقتل، برفعها كلفة الحرب اليومية؛ ما أدى لهروب كبار رجال الأعمال والمستثمرين، لإدراكهم أن أرض فلسطين المحتلة لم تعد تملك المناخ الاستثماري الجيد.
لقد حررت المقاومة الوعي العام عن ادعاءات التحضر؛ إذ كشفت للجميع عن تلك الحالة العدائية الكبيرة لدى الساسة الغربيين الذين لم يستطيعوا إخفاء تطرفهم في دعم الاحتلال دعماً مطلقاً وغير محدود بسقف أخلاقي ولا إنساني، وإطلاق يد المحتل في أعمال إبادة ومجازر وجرائم حرب تحت مظلة أوروبية أمريكية، بينما عرَّت حقيقة الأنظمة العربية ومواقفها المخزية، لا سمح الله.
رغم الألم انتصرت المقاومة بانضباطها وأخلاقها، فاستطاعت بالقول والفعل إظهار العزة والكرامة، وعلمت العالم كيف تكون أخلاق المقاتلين الفرسان النبيلة بمعاملة الأسرى المحتجزين لديها بأخلاق الإسلام، ما أفسد تعاطف الكثير مع المحتل رغم محاولاته بشتى الطرق الرخيصة شيطنة المقاومة.
وما نراه الآن من تدمير ومجازر وإبادة للمدنيين،ليس قوة واتزاناً للمحتل، بل ما هو إلا حالة سعار وهمجية من احتلال مهزوم ومأزوم يفقد قوته شيئاً فشيئاً.
بينما استطاعت المقاومة إظهار قوة الشعب الفلسطيني، فقد أذهل أهل غزة بثباتهم وإيمانهم العالم كله. فرغم الموت والمآسي التي يكابدها المدنيون ما زالوا مقاومين مرابطين. بينما تثبت الأرض أنها ليست لأحد غير أصحابها، وسيكتب التاريخ أن غزة انتصرت على أعتى جيوش العالم رغم حصارها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.