ثمّة 4 سيناريوهات لحقيقة ما جرى في السابع من أكتوبر؛ أولها أن حماس قامت بعملية طوفان الأقصى بتوقيتها الخاص ولأهدافها الخاصة المرتبطة بتحرير الأسرى والرد على تدنيس الأقصى، ولم تكن تريد من المحور أي دعم ومساندة، لذلك لم ترَ حاجة لإبلاغه مسبقاً، وأن بوسعها التعامل مع نتائج الحدث بمفردها.
السيناريو الثاني هو أنها نفّذت العملية بمفردها وبتوقيتها، لكنها كانت تتوقع أن يلاقيها بقية أطراف المحور حتى لو لم تعلمه، على اعتبار أنها تنسق معه في السياق العام لأهداف المحور، وتحديداً ضمن شعار وحدة الساحات.
السيناريو الثالث هو أن حماس تجاوزت المحور وقفزت عنه إلى الطرف الروسي ونسقت معه ليكون ظهيراً لها في تبعات ما يحصل، ويستفيد هو في حرف الأنظار عن نزاعه مع أوكرانيا إلى الشرق الأوسط الذي يعتبره مركز الصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديداً إذا كانت المعركة مع إسرائيل، الشرطي الأمريكي ورجلها وذراعها الرئيس في المنطقة.
السيناريو الرابع، وهو سيناريو أورده رغم عدم اقتناعي به، وهو لأصحاب نظرية المؤامرة الذين يعتقدون أن ما جرى في السابع من أكتوبر كان بترتيب مع الإسرائيلي، أو أقله بتراخ ٍمنه حتى ينفذ أجندته في القضاء على حماس وتطبيق مشروعه القديم الجديد في التهجير، وأن حماس قد وقعت في الفخ.
شخصياً أرجح السيناريو الثاني، خاصة أن كل المعطيات قبل الحدث كانت تسير في هذا السياق، وأن المحور كان حريصاً على إعادة ترتيب أوضاعه الداخلية، وشهدنا مصالحة بين حماس وسوريا برعاية إيرانية وبوساطة شخصية من أمين عام حزب الله. فضلاً عن أن الكلمة الأولى بعد العملية لقائد كتائب القسام ورئيس الأركان محمد الضيف كانت واضحة في طلبه من أطراف المحور وبالاسم الانضمام لهذه المعركة؛ ما يعني توقع حماس مشاركة هذه الأطراف وتفعيل شعار محور وحدة الساحات، سواء في تصعيد العملية أم التعاطي مع رد الفعل الإسرائيلي عليها.
الآن وانطلاقاً من ترجيح السيناريو الثاني؛ ما هي تفاعلات الحدث؟
في الواقع يبدو أن بقية أطراف المحور تفاجأت به، وحتى حماس تفاجأت بحجم نتيجته بعد الانهيار الكبير في فرقة غزة التي كانت لُب الهدف وعنوانه الأساس في الاستهداف، وعليه لم تتجاوب بقية أطراف محور وحدة الساحات بالمستوى المطلوب والمأمول من حماس؛ لأن رأس المحور إيران شعرت بأن حماس تصرفت بتوقيتها ودون إعلام إيران، وهذا يزعج إيران لجهة أنها كانت تتوقع أن حماس قد استفادت مما جرى معها بعد الربيع العربي، وخاصة في قطع علاقاتها مع سوريا، وأنها أصبحت في جيب إيران بعد إعادة علاقاتها مع سوريا، وخاصة جناحها العسكري في غزة والسياسي في داخل غزة وخارجها، الذين اعتقدت إيران أنهم باتوا محسوبين عليها ويتصرفون بإشارة منها! ومن دون شك هذا أزعجها، إلا أنها لم تبدِ ذلك علانية؛ لأنها تدرك أن الحدث سيخدمها وستعالج هذه الجزئية -أي استقلالية القرار لدى "التيار الإيراني" في حماس- بعد الحدث وربما خلاله وبأسلوبها.
كيف ستستفيد إيران من طوفان الأقصى؟
إيران تعتبر نفسها منتصرة في هذه المعركة حتى لو لم تتدخل، لذلك تأخر تدخلها بشكل شامل، وبالمناسبة هي لا تتدخل مباشرة بل عبر أذرعها، وتنطلق في حسابات انتصارها وربحها من أن أية رسالة أو كلمة شكر من حماس بعد انتهاء المعركة ستعني مشاركتها بهذه المعركة، وحماس غالباً ستشكرها لغايات مرتبطة بالدعم المادي والمعنوي ومتطلبات واحتياجات ما بعد المعركة، لا سيما قضية إعادة الإعمار وترميم القدرات العسكرية. وإذا خسرت حماس المعركة هنا ستكتفي إيران بالقول إنها معركة دخلتها حماس بتوقيتها الخاص ولم تُعلمها بها، وبالوقت ذاته لا تقبل إيران أن تكون حماس السنية أكبر وأقوى وأشد نفوذاً من باقي أذرعها وأدواتها الشيعية، وانتصارها هنا يكون بحفاظها على هذه الأذرع والأدوات لخدمة أجندتها ومشروعها، فضلاً عن أن حماس التي ستخسر هي حماس غزة، لكن هناك حماس الضفة والخارج اللتان يمكن أن تنفتح عليهما أكثر وتبقى علاقتها بهما وتستمر في سرديتها المبنية على شعارات "طريق القدس" ومحور المقاومة والممانعة ووحدة الساحات! والحالة الوحيدة التي يمكن أن تخسر بها إيران هي أن تخرج حماس بتصريح ينفي أية علاقة لإيران بما حصل، وتكشف تخاذلها ونفاقها على العلن، وبشكل يكون فيه إجماع بين كل مكوناتها على ذلك، أو أن تحقق حماس انتصاراً بمفردها لا تشرك إيران وأذرعها به نهائياً، ولا حتى بكلمة شكر، ويبدو لي أن هذا مستبعد، أقصد عدم الشكر، ولذلك آمل أقله ألا تبالغ حماس في الشكر.
هذه قراءة أولية بعد شهر من المعركة، ومن زاوية محددة، وهي المرتبطة بمحور وحدة الساحات، لكن من المبكر الحكم على النتائج النهائية لهذه الجولة من الصراع، خاصة إذا تدحرجت الأمور أكثر ووصلنا إلى حرب إقليمية، وهذا غير مستبعد، تحديداً إذا شعرت إيران أن لُب وجوهر مشروعها الذي بنته خلال عقود في منطقة الشرق الأوسط قد يتضرر، هنا ستتدخل بمستوى أعلى وربما أشمل للحفاظ عليه والدفاع عن مصالحها هي وليس للدفاع عن حماس.
ورغم أن كل المؤشرات حتى الآن تشي برغبة جميع الأطراف بعدم التوسع بالحرب، لكن هذا يبقى مناطاً بنتائج ومجريات المعركة في الميدان، بحيث لا تتجاوز هذه النتائج حدود وخطوط تقاسم النفوذ بين المشروع الإسرائيلي والإيراني والتخادم بينهما.
ولن تصل هذه المعركة وتتطور إلى حرب عالمية ثالثة دون مشاركة إيران بذاتها في هذه المعركة، وقبل أن تصل هذه الحرب إلى حرب عالمية ثالثة، هناك أوراق تستطيع إيران أن ترمي بها دون أن تضطر للنزول إلى هذه المعركة بنفسها.
ويبقى أن ثمّة تغيّراً واضحاً في سرديات المحور، سواء على مستوى مفهوم وحدة الساحات الذي كان يعني جبهات سوريا واليمن والعراق ولبنان وفلسطين، ثم تحول إلى جبهات فلسطين الداخلية؛ غزة والضفة الغربية وأراضي 48 والشتات، ثم تفعّل الجبهات خارج فلسطين. وآخر نسخة من مفهوم وحدة الساحات هو أنه يعني وحدة الهدف المتعلق بتحرير فلسطين وكل جبهة أو ساحة تقدّر ذلك وفقاً لإمكانياتها وأوضاعها الخاصة. وأمّا بخصوص تدخل المحور في هذه المعركة فقد قيل إنه سيكون بعد الاجتياح البري، ثم تبدل إلى تجاوز خطوط حمراء وضعها أركان المحور ولا يعرفها أحد غيرهم، ثم أصبح مرتبطاً بمعادلات جديدة طرحها حسن نصر الله في خطابه، معتبراً أن معركة تحرير فلسطين تتحقق بالنقاط لا بالضربة القاضية، وهذه سرديات مختلفة وجديدة لم نكن نسمعها سابقاً!
باختصار؛ معركة طوفان الأقصى شكلت اختباراً جدياً لمصداقية كل سرديات وممارسات وسلوكيات هذا المحور، ويبدو أنه بعد شهر قد فشل بهذا الاختبار!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.