قبل قمة الرياض هدد بلينكن وزراء الخارجية في مجموعة الدول السبع، ولم يوافق على الدعوات المطالبة بوقف إطلاق النار. وذلك عامل أساسي يجب إعادة النظر فيه عند محاولة فهم السياسة الخارجية لمجموعة الدول السبع، وتأكيدهم على الهدنة الإنسانية، وفتح الممرات الآمنة لإدخال المساعدات لغزة دون المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار. ومقابل الهدن الإنسانية والممرات الآمنة أعلنت وزيرة الخارجية اليابانية كاميكاوا التي ترأست الاجتماع الوزاري لمجموعة الدول السبع حل الدولتين كمبدأ لنهاية الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي؛ وقد اتفقوا على إدانة هجوم حماس في السابع من الشهر الماضي على إسرائيل، وطالبوا بالإفراج عن الأسرى. جاء الاجتماع لمناقشة تداعيات الحرب بغزة وتحقيق السلام في الشرق الأوسط.
وبعد قمة الرياض اتفقت الدول العربية والإسلامية على قرارات عدة لم يكن وقف إطلاق النار من بينها. حيث أدان البيان عدوان الاحتلال الإسرائيلي على سكان قطاع غزة والمجازر وجرائم الحرب المرتكبة بقطاع غزة، والأساليب الوحشية التي يمارسها الاحتلال الاستيطاني بشكل ممنهج بالضفة الغربية والقدس الشرقية. كما رفضت الدول المشارِكة في هذه القمة الوصف المطلق لهذه الحرب وتعريفها كحرب دفاعية عن النفس، وعدم تبريرها بأي شكل كان، ووضعها ضمن نطاق الحروب المتعلقة بالانتقام، ومن خلال مجلس الأمن طالبت هذه الدول باتخاذ قرار حاسم لوقف إطلاق النار انطلاقاً من القانون الدولي والقانون الإنساني والشرعية الدولية، وبهذا أشارت إلى انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي للقوانين الدولية كلها.
ويبدو أن لغة البيان لم تنل إعجاب نتنياهو الذي لا يكاد يفوت أي مؤتمر صحفي؛ فقد تعودنا على ملامح وجهه الكئيبة ولباسه الأسود الذي يدل على فشله العسكري وإدارته لهذه الحرب دون خطة واضحة، وهذا ما دفع به إلى رده الأخير بعد هذه القمة، حيث أكد أن على رؤساء الدول العربية التزام الصمت. ومنظر وجهه الحزين ولباسه الأسود يوضحان علاقته السيئة مع المؤسسة العسكرية والأمنية، ومصافحة غالانت للابيد خير مثال على المشاكل السياسية المحيطة به من كل جانب. فهذا الكائن ضاعف الفوضى السياسية، واستقطب الجهلاء والمتطرفين في حكومته، ونجح في إغضاب المقاومة، حتى انتهى به المطاف إلى طوفان الأقصى، والآن يخوض معركة فاشلة بالقطاع ويتعرض لقصف من الشمال ويجر المنطقة للصراع.
بايدن الآن يقف حائراً في هذه الحرب التي سافر إلى تل أبيب من أجل المشاركة فيها، وصرف مبلغاً ضخماً من الخزينة الأمريكية لدعمها. وبهذا أعطى سنداً على بياض لإسرائيل في هذه الحرب التي لم يضع لها خطوطاً حمراء منذ اندلاعها. ووزير خارجيته كرر أمام العالم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وأعاد ذلك الحق في جميع زياراته لدول الشرق الأوسط. والآن يشاهد العالم بأسره نتائج هذه الحرب النازية التي دفع الأبرياء والأطفال ثمنها داخل مستشفيات قطاع غزة المحاصرة. والعالم شاهد كذلك زيارات رؤساء الدول الأوروبية لإسرائيل بداية الحرب، وتشجيعهم بالسلاح والذخائر لمساندة نتنياهو.
حرب غزة والمشاهد المؤلمة القادمة من مستشفياتها المحاصرة والمحاطة بجثث الشهداء ساعدت على تحريك الجماهير العالمية، ونظرات الأطفال البريئة وأشلاؤهم الملطخة بالدماء كانت كافية لتحريك الإنسانية داخل نفوس هذه الجماهير المدافعة عن الإنسانية والممارسة لحقوقها الديمقراطية لوقف هذه الحرب، وقد رأينا تلك الجماهير العالمية تتوافد بأعداد كبيرة على منزل بايدن كنوع من الضغط السياسي على إدارته الداعمة لهذه الحرب التي جاءت بانقسامات داخلية معارضة.
لقد أحرج بايدن نفسه وإدارته عندما قرر دعم نتنياهو في خوض هذه الحرب دون خطوط حمراء. والآن أعداد الشهداء تجاوزت 11 ألف شهيد، وقتل الأطفال وقصف المستشفيات أحرج بايدن وإدارته، والخطابات الدبلوماسية تتزايد، والمجتمع الدولي لم يعد يستطيع الصمت عن هذه المجزرة، والجماهير العالمية تواصل إحراج حكوماتها بهدف تغيير هذه السياسة. هناك تناقض في السياسة الأمريكية الخارجية، فبينما يؤكد بلينكن رفض إدارة بايدن لوقف إطلاق النار؛ تخرج أصوات معارضة لهذه السياسة من قلب وزارة الخارجية الأمريكية، وتمتد المعارضة لمجلس الشيوخ، وهنا تتباين السياسة الأمريكية.
بلينكن بلغته الدبلوماسية يحاول حجب التناقضات في السياسة الأمريكية الخارجية. فبينما يحاول عدم توسيع الصراع والمطالبة بتفاوضات السلام وحل الدولتين وإدخال المساعدات والهدنة الإنسانية، ومناقشة مستقبل القطاع بعد الحرب، والتأكيد على عدم احتلاله وترجيح إدارته من قبل حكومة دولية؛ يفاجئنا نتنياهو بقوله لا توجد مدة زمنية محددة للبقاء بغزة. ومع ذلك كله تخالف وزارة الدفاع الأمريكية هذه السياسة وترسل ترسانة عسكرية للمنطقة تحمل أسماء رؤساء الإمبريالية.
لن ننسى حرب غزة، ولن ننسى كذلك وحشية الدول الإمبريالية ورغبتها بالتوسع بحثاً عن الثروات الطبيعية، ولن نخضع لهذا الاستلاب والتدجين المدعوم من المؤسسة الاستشراقية التي تحاول فرض ثقافتها الإمبريالية في هذه المنطقة عن طريق القوة، ولن نستسلم للهيمنة الأمريكية ونخضع لهذا المشروع الاستيطاني الإمبريالي الذي ينشر الجهل والظلام ويفرض سياسة الفصل العنصري المتطرف في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية. نحن نواجه إدارة إمبريالية متطرفة، ورئيسها مخلص تام للصهيونية، وينطلق من قيم ليبرالية زائفة، ولا يحرك ساكناً أمام جثث الأطفال والأبرياء في غزة. كما أننا نشاهد رئيس وزراء متطرفاً يرتكب مجزرة جماعية ويصفق له رؤساء العالم دون اتخاذ قرارات حاسمة لوقف جرائمه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.