قمّة عبثيّة أم قمة عربيّة إسلامية؟

تم النشر: 2023/11/14 الساعة 08:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/11/14 الساعة 08:35 بتوقيت غرينتش
القمة الإسلامية العربية /الأناضول

لم يكد ينتهي اجتماع "القادة" العرب والمسلمين بالعاصمة السعودية الرّياض، السبت 11 نوفمبر/تشرين الثاني، في القمة العربية الإسلامية "الطارئة" التي تداعت لها الدول المنضوية تحت سقف جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، حتّى بادرت طائرات الاحتلال الإسرائيلي إلى قصف محيط مستشفى "الشفاء" في قطاع غزّة، وأخرجته عن الخدمة، فضلاً عن قصف محيط المستشفى الإندونيسي أثناء انعقاد القمة.

هذا العدوان الذي طال المراكز الطبية والمستشفيات لم يكن الأوّل من نوعه، ولن يكون الأخير، فهذا ديدنُ "إسرائيل" التي تتذرع بوجود مراكز عسكرية وأسلحة نوعيّة للمسلّحين من حركة المقاومة "حماس" تحت المستشفيات وفي المدارس وضمن دور العبادة.

بيد أنّ التجاهل الإسرائيلي الواضح للقادة المتداعين لبحث ملف الحرب على غزّة ليس تفصيلاً، إنما هو تحدٍّ صارخ من حكومة الاحتلال الإسرائيلية لكلّ البيانات والتنديدات التي صدرت، وكلّ الخطب الكلامية التي أُلقيت على شاشات التلفزة.

المجتمع الدولي يناشد المجتمع الدولي!

لم يوفّر قادة الدول الـ"57″ أياً من مصطلحات التنديد والتأكيد، وبعضهم رفع السقف البلاغيّ في كلمته إلى حدّ الدعوة لـ"تسليح" الشعب الفلسطيني كالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أو إحالة إسرائيل إلى "مجلس الأمن" كالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكنّ ما قاله بعض القادة أدهش الجماهير العربية والإسلامية، وخيّب آمال الكثيرين.

ماذا يعني أن تدعو هذه الدول والكيانات التي تشكّل جزءاً واسعاً معتبراً من المجتمع الدولي، المجتمع الدولي ذاته إلى رفع الحصار عن غزة وإدخال المساعدات ووقف استهداف المدنيين؟

كيف يناشد الرؤساء والملوك والأمراء والسلاطين مجتمعاً دولياً يمثّلونه؟ ثمّ كيف تناشد وكالة "الأونروا" التابعة للأمم المتحدة، المجتمع الدولي الذي يتشكّل من هذه الأمم، لوقف استهداف مدارس الوكالة ومراكزها بالطيران الحربي وبالنيران العشوائية؟ هذه قمّة العبَث، بكلّ تأكيد!

عبّاس لم يعلّق التنسيق الأمني، ماذا ينتظر؟

استهلّ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس كلمته بآياتٍ قرآنية تدعو إلى "الصبر"، مؤكّداً أنّ جرائم الاحتلال تخطّت كلّ "الخطوط الحمراء" في غزّة، وهذا موقف متقدّم للرئيس عبّاس.

لكنّ المفارقة ظهرت في مواصلة رئيس السلطة "التنسيق" الأمني مع سلطات الاحتلال، التي قتلت وفق الإحصاءات التقريبية 12 ألف فلسطيني في قطاع غزة خلال شهر، فضلاً عن العشرات من الفلسطينيين الذين يتواجدون في مناطق حكم سلطة عباس. هو الذي أوقف التنسيق الأمني مرةً بسبب تغيير "أقفال" في المسجد الأقصى.

مصر تطالب بإدخال الإغاثة وتتجاهل رفح

في كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تطرّق الأخير إلى إدانة قتل المدنيين وترويعهم من الجانبين "الفلسطيني والإسرائيلي".

لكن ما أثار الرأي العام هو عدم تطرّق الرئيس المصري إلى "معبر رفح" الحدودي بين مصر وغزّة، وهو المعبر الوحيد الذي يربط بين غزّة والمساعدات من جهة، وبينها وبين العالم من جهة أخرى، إذا أغفلنا المعابر الإسرائيلية المغلقة أمام الغزّيين.

ومع أنّ السيسي طالب بإدخال المساعدات إلى غزّة، لكنّ الكلمة التي ألقاها أظهرت سيادةً منقوصة على هذا المعبر "المصري" الذي تمنع "إسرائيل" فتحه أمام المساعدات الإنسانية.

الأسد إذ يعلّق على جرائم الإبادة بحقّ المدنيين

هي القمة العربية الثانية التي يحضرها الرئيس السوري بشار الأسد في السعودية، بعد أن قررت جامعة الدول العربية إعادة سوريا إلى عضويتها في الجامعة، شهر مايو/أيّار من العام الجاري.

ومع أنّ النظام الحاكم في سوريا قد أدين في عدد من المحافل الدولية بانتهاكات ترقى إلى جرائم حرب بحقّ المدنيين إبّان العام 2011، من الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن الدولي إلى الجامعة العربية نفسها، إلا أنّ الرجُل ألقى كلمةً تحدّث فيها عن "همجية" الاحتلال الإسرائيلي، واصفاً ما يقوم به بـ"الإبادة" بحقّ الفلسطينيين.

الأردن يروّج للسلام ولحلّ الدولتين

لم تختلف كلمة العاهل الأردني عبد الله الثاني عن كلمات القادة في استنكار الجرائم بحقّ المدنيين، والمطالبة بحماية هؤلاء وعدم تهجيرهم، وهذا فيه مصلحة أردنية وفق مراقبين، وسط حديثٍ عن نية لتهجير فلسطينيي الضفة الغربية إلى الأردن مقابل تهجير الغزيّين إلى سيناء المصرية.

لكنّ حديث الملك عن السلام كان مثالياً، لأنّ أداء الاحتلال الإسرائيلي في السنوات الأخيرة لم يُظهر حسن النوايا تجاه المبادرة العربية، والتي طالبت بإقامة سلام عادل وفق حلّ الدولتين، دولة إسرائيلية وأخرى فلسطينية على حدود 1967. وتوسيع الاستيطان في أراضي الدولة الفلسطينية "الموعودة" خير دليل!

في البيان الختامي: مقرّرات يستحيل تنفيذها

بالإضافة إلى هؤلاء، كانت كلماتٌ لعدد كبير من القادة الذين استنكروا الجرائم في غزة، وتوافقوا في بيان القمة الختامي على خطواتٍ شبه مستحيلة، أهمّها كسر الحصار على غزة، وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية بشكل فوري، كما الطلب من "المحكمة الجنائية الدولية" التحقيق في جرائم الاحتلال الإسرائيلي!

تأتي هذه المقررات في وقتٍ لا تستطيع الدول هذه مجتمعة أن تفرض على دولة الاحتلال أن توقف إطلاق النار مؤقتاً لنقل جثث الضحايا أو إسعاف العالقين تحت الأنقاض، وفي وقتٍ يشرب فيه الغزّيون ماء البحر عطشاً، ويقضي أطفالهم في المشافي بسبب نقص الأوكسجين.. ولا ناصر أو مُعين!

ثمّ، ألا يجدر بهذه الدول التي تعقد بعضها معاهدات واتفاقيات سلام مع إسرائيل، وتبرم معها الصفقات الاقتصادية وتوّطد معها أرفع العلاقات الديبلوماسية، أن تلوّح أقلّه بسلاح طرد السفراء الإسرائيليين وقطع العلاقات، إذا لم "تحترم" إسرائيل هذه المقررات؟

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبدالعزيز الزغبي
صحفي لبناني
صحفي لبناني
تحميل المزيد