يقول المرشح الديمقراطي لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية روبرت كينيدي جونيور في مقابلة تلفزيونية مخاطباً الأميركيين: "إن إسرائيل هي حصن لنا، الأمر أشبه بوجود حاملة طائرات في الشرق الأوسط. إنها أقدم حليف لنا، وإذا اختفت إسرائيل، فإن روسيا والصين ودول البريكس ستسيطر على 90% من النفط في العالم، وسيكون ذلك كارثياً على الأمن القومي الأمريكي".
يعبر ابن شقيق الرئيس جون إف كينيدي وابن السيناتور روبرت إف كينيدي عن المنظور الجيوبوليتيكي الذي تراه الولايات المتحدة الأميركية إلى الموقع الجيوسياسي للاحتلال الإسرائيلي في المنطقة.
تقع الولايات المتحدة الأميركية في قارة أميركا الشمالية، حيث تطل بأغلبية مساحتها على المسطحات المائية، فتفصلها عن دول العالم القديم، حيث شرايين الحركة التجارية العالمية والموارد الطبيعية والصراعات من أجل السيطرة عليهما. وبسبب هذا الموقع الجغرافي البعيد، اعتمدت الولايات المتحدة الأميركية على أساطيل ضخمة من الطائرات والسفن التجارية والعسكرية للاتصال ببر العالم القديم. كما شكّل هذا الموقع نقطة قوة وضعف لها، حيث إن المحيطات أبعدت عنها الصراعات العسكرية على أراضيها، إلا أنه وفي الوقت ذاته وبغياب قوات عسكرية برية لها، لم تستطع فرض حضورها السياسي على الساحة الدولية في وقت كانت الدول العظمى كفرنسا وبريطانيا وروسيا وألمانيا وغيرها تتقاسم النفوذ والسيطرة على ثروات الدول فيما بينها.
بدأت الولايات المتحدة الأميركية ومنذ عام 1903، في الاعتماد على استراتيجية عسكرية-سياسية تتغلب فيها على نقاط ضعف موقعها الجيوسياسي، والتي قامت على فكرة بناء قواعد عسكرية لها على أراضي دول أخرى. فتعوض بذلك نقطة البُعد الجغرافي.
ولقد شكّلت الحرب العالمية الثانية نقطة التحول الرئيسية لدورها على صعيد السياسية العالمية، لتصعد على حساب الحضور الفرنسي-البريطاني، وتبدأ أساطيلها العسكرية تجوب الممرات المائية، وتفرض سلطتها السياسية-العسكرية على طرق التجارة العالمية البحرية. وانتشرت معها قواعدها العسكرية التي أخذت بالنشوء تحت مجموعة من العناوين منها دول حلف الناتو كقواعدها في دول المحور التي خسرت الحرب العالمية الثانية، ألمانيا وإيطاليا التي تحتويان على أكثر من 33 ألف جندي، فيما تضم اليابان 50 ألف جندي، أما قواعدها في الدول التي احتلتها كالعراق فنشأت تحت عنوان تدريب القوات العسكرية العراقية وبلغ عددهم حوالي 6 آلاف جندي، بينما أنشأت قواعدها في الدول الإفريقية كتشاد تحت عناوين المراقبة.
وقواعدها في الدول العربية التي تضم أكثر من 50 ألف جندي وجدت بأغلبيتها تحت عنوان حمايتها. نجحت الولايات المتحدة الأميركية عبر هذه السياسة ببناء حوالي 800 قاعدة عسكرية، تنتشر في 70 دولة. ويمكن من خلال إسقاط القواعد على خريطة العالم استخلاص أن جزءاً من هذه القواعد تنتشر حول الصين، وجزءاً حول روسيا، وجزءاً مهماً في الدول المصدرة للنفط والممرات المائية التي تمر الشحنات منها، كما تدعم هذه القواعد العسكرية في العالم 7 أساطيل من البحرية الأميركية، التي تجوب البحار والمحيطات بحاملات الطائرات والسفن الحربية وآلاف الطائرات.
وتعتبر قاعدة الولايات المتحدة الأميركية في ألمانيا رامشتاين الجوية، أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في العالم، حيث يوجد فيها المقر الرئيسي لعمليات القوات الجوية الأمريكية في أوروبا وفي الشرقين الأدنى والأوسط، وهذه القاعدة تحتوي على قنابل نووية أميركية، في دولة لا تملك بالأصل أسلحة نووية وقد حاول الألمان بخجل حمل الأميركيين على إخراجها خارج بلادهم لكن دون نتيجة تذكر. ورغم أهمية هذه القاعدة ومساحتها الضخمة إلا أننا واقعياً إذا قارنا العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية وقواعدها العسكرية، من تخصيص الأموال والمعدات العسكرية الحديثة، يظهر لنا أن الاحتلال الإسرائيلي هو الأقرب بالعلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية بكونه قاعدة عسكرية ضخمة لها.
حيث إن الولايات المتحدة الأميركية تمتنع عن بيع بعض الأسلحة الحديثة لأقرب حلفائها فيما لا تواجه إسرائيل أي مشكلة أو حتى ملاحظة في الحصول عليها، كما تظهر وثائق الكونغرس الأميركي والبيت الأبيض أن الولايات المتحدة الأميركية ومنذ أربعينيات القرن الماضي ملتزمة سنوياً بتخصيص جزء من ميزانيتها للاحتلال الإسرائيلي والتي وصلت بمجموعها لحدود 300 مليار دولار، كما يُلزم القانون الأميركي السلطات فيها بالمحافظة على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل على جيرانها، ويلزمها أيضاً بتسريع المساعدات المقدمة للاحتلال الإسرائيلي ومبيعات الأسلحة لها.
كما استعملت الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 1984 الأراضي الفلسطينية المحتلة كمخازن للمعدات العسكرية، تسمح للجيش الأميركي بسرعة الوصول إليها في حال احتاجت لاستخدمها، وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد سمحت للجيش الإسرائيلي باستخدام المعدات الموجودة فيها من الأسلحة والذخيرة في عام 2006.
لقد أصاب المرشح الرئاسي كينيدي حين استخدم كلمة حصن أميركي للإشارة للكيان الصهيوني، ففعلياً في منطقة الشرق الأوسط حيث تتدفق أنابيب النفط والغاز لتتحرك عجلة العالم، وحيث الممرات المائية والمسطحات التي تختصر المسافات وتمر فيها طرق التجارة البحرية وتنتهي فيه بعض أهم طرق التجارة البرية، تقف إسرائيل على هذا التقاطع كولاية أمريكية متقدمة في الشرق الأوسط، كخط الدفاع الرئيسي عن باقي القواعد العسكرية الموجودة في المنطقة، والتي يدرك الأميركيون أن هذه القواعد مهددة مع كل يوم، أن تقع فريسة تغيير داخلي في الدول الموجودة فيها نتيجة ثورة أو انقلاب، أو نتيجة التغيرات الدولية كدخول روسيا والصين إلى مسارح هذه الدول، لذلك يحرك الأمريكيون حاملات الطائرات وأساطيلهم من أجل تثبيت هذا الحصن الذي يرمز لشكل من أشكال سيطرة الولايات المتحدة الأميركية على النظام العالمي، وسقوطه يعني تهديد لهذه السيطرة، وتهديد الأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية، ومن هنا ندرك كيف يمكن للاحتلال الإسرائيلي أن يقتل هذا العدد الكبير من الأطفال والنساء ويشن حرب إبادة وتطهير عرقي وهو واثق بأنه لن يعاقب على أي من جرائمه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.