إن القضية الفلسطينية تشكل جزءاً مهماً من التاريخ والنفسية العراقية. ويعتبر الكتاب والمثقفون العراقيون الذين ساهموا في حركات المقاومة وكتبوا الرواية والقصة القصيرة عن فلسطين جزءاً من التجربة النضالية العراقية من أجل فلسطين.
إذ يمكننا أن نرى أن تفاصيل العمل السردي العراقي حول قضية فلسطين متنوعة وتأتي في إطار النضال الوطني الشامل والوعي المستمر بالقضية الفلسطينية ودور العراق في دعمها، والاهتمام الذي يظهره السرد العراقي بالقضية الفلسطينية.
إذا كانت تداعيات حرب يونيو/حزيران عام 1967 قد أثرت بشكل كبير على الأداء السردي العراقي في القصة القصيرة، فإن رواية "الرجال تبكي بصمت" للكاتب عبد المجيد لطفي تعبر عن الحزن والرفض لما حدث. وفي الوقت نفسه، تعكس رواية "المدينة تحتضن الرجال" للكاتب موفق خضر آثار العدوان الثلاثي على مصر من قبل الكيان المحتل وبريطانيا وفرنسا، وذلك في زمن كانت الولايات المتحدة أكثر حيادية قبل أن تنحاز بوضوح فيما بعد.
وتعتبر رواية "مصابيح أورشليم" للكاتب علي بدر طفرة فكرية، حيث تعيد تشكيل جزء من حياة المفكر إدوارد سعيد أثناء تجواله في شوارع القدس التي تغيرت بشكل كبير من الناحية الديموغرافية، بصحبة يائيل وأستر، وهما شخصيتان روائيتان يهوديتان صاغهما كتاب يهود مثل عاموس.
تستند الرواية في الأساس إلى "لعبة"، وهي مخطوطة عُثر عليها في بغداد بواسطة الفلسطيني أيمن مقدسي، وتحتوي على كتابات ومذكرات متنوعة، وترتبط بالصراع العربي الإسرائيلي. يقودنا الروائي إلى صراع المثقفين بين الجماعات المتطرفة والاستبداد السياسي في المنطقة. تعتبر هذه الرواية مثالاً على كيفية تعامل الأدب العراقي مع قضية فلسطين من منظور فردي وشخصي.
أما عن رواية "طشاري" للكاتبة نعم كججي، فتتجلى الاستثناءات من خلال شخصية الضابط العراقي اليهودي جرجس منصور. إذ يغير جرجس اتجاهه الديني ويصبح ناصرياً، ويقاتل كضابط في الجيش العراقي.
بينما، في رواية "النبيذة"، تظهر الاستثناءات من خلال مجموعة شخصيات متضادة غريبة في البناء النفسي والاجتماعي. وأحد أبرز هذه الشخصيات هي تاج الملوك عبد المجيد، صاحبة مجلة "الرحاب"، التي تقع بالقرب من البلاط الملكي. تعبر تاج الملوك في مجلتها عن حسد الناس لها وتواجه اتهامات بالجاسوسية.
تتقابل تاج الملوك مع البروفيسور الفلسطيني منصور البادي أثناء عملهما المشترك في إذاعة باكستان باللغة العربية، وتنشأ بينهما علاقة حب عاصفة لم تصل إلى التوافق. يعود تاج الملوك إلى بغداد بعد إغلاق الإذاعة، في حين يسافر منصور إلى فنزويلا، وتبدأ رحلة شتات فلسطينية طويلة.
في محاولته للقاء تاج الملوك في باريس بعد زواجها من ضابط فرنسي وسلسلة من المغامرات، يرفض تاج الملوك اللقاء. تنتهي الأحلام لدى كلا الشخصيتين، إذ تفقد تاج الملوك أحلامها في حياة هادئة، بينما يفقد منصور أحلامه في فلسطين وحبيبته. تحمل الرواية تفاصيل كثيرة ومتشعبة بلغة أخاذة وممتعة.
يجب أن نلاحظ أن تسمية تاج الملوك كصاحبة مجلة "الرحاب" هي تغيير للتسمية الحقيقية لصاحبة المجلة، والتي هي أقدس عبد الحميد، وهي معلمة فلسطينية عملت في بغداد لفترة ثم ضاعت في شتات الفلسطينيين، ومصيرها غير معروف.
قبل هذه الروايات، صدرت رواية "ثقب في الجدار الصدئ" للكاتب عبد الرزاق المطلبي، والتي تستند إلى تجربة الكفاح الفلسطيني من أجل وطن حر مستقل الذي لم تتحقق أحلامه.
وجاءت رواية زهير الجزائري الأولى "المغارة والسهل" بشكل جريء لتصور الصراع بين المنظمات الفلسطينية والأردن خلال أحداث أيلول الأسود وخسارة التجربة الفلسطينية للعديد من رموزها وأنشطتها نتيجة الانحراف الثوري الذي أثر على التجربة. أثارت الرواية التي صدرت في عام 1974 إعجاب النقاد، وعُقدت ندوة حولها في ذلك الوقت بمشاركة المؤلف الشاب آنذاك، وساهم فيها الأساتذة "جبرا إبراهيم جبرا، عبد الرحمن منيف، باسم عبد الحميد حمودي، عبد الرحمن الربيعي، وطراد الكبيسي" لمناقشة القضايا الجريئة التي طرحها الكاتب.
بينما أصدر حميد العقابي روايته "أصغي إلى رمادي" التي تصور بطلها الرسام الشاب وانضمامه للمقاومة الفلسطينية، وانتحاره بعد أحداث أيلول الأسود، وهذا يشبه شخصية الشهيد العراقي إبراهيم زاير، الذي قاتل في صفوف المقاومة وانتحر بيأس بعد صراع طويل.
وتأتي رواية "حمام اليهودي" للشهيد الدكتور علاء مشذوب في جانب مهم منها علاقة اليهودي أبو يعقوب بطقوس كربلاء وعشقه لها، ورفضه الهجرة إلى الدياسبورا اليهودية، متحصناً في حمام يحميه من العالم الخارجي الراغب في دفعه نحو مصير الهجرة التي لا يُرغب فيها.
أما في رواية "حليب المارينز" للدكتور عواد علي، فإنها تقدم العديد من الشخصيات التي تجتمع في مجتمع متنوع من حيث الثقافات والأعراق، ولكن الشخصيات الثانوية داخل الرواية لها حضور درامي متقابل. نجد روزا، الرسامة اليهودية، ترفض التهجير إلى الأرض المحتلة وتهاجر من العراق إلى كندا، محافظة على شخصيتها المناهضة للظلم، وفي الوقت نفسه تتبرع مادياً لإنقاذ أحد المختطفين من خاطفيه.
وفي رواية "نخلة الواشنطونيا"، التي تقدم صورة تاريخية معاصرة ليس فقط عن كركوك ولكن أيضاً عن العلاقات الإنسانية بين الشخصيات العديدة، يرتبط الفلسطيني جهاد البشير بصداقة وثيقة ببطل الرواية كمال، زميل الدراسة، ويستمر وسط الحياة المضطربة في العراق حتى يُضطر للهجرة. ومع ذلك، يبقى البشير داخل الرواية،كشخصية فلسطينية تسعى لاكتشاف الحقيقة والعمل من أجل إعادة بناء وطن مفقود، على الرغم من إرادة الشر الذي يحاصره.
بالإضافة إلى الروايات، يمكننا أن نجد قصائد ومقالات ومسرحيات تناقش قضية فلسطين في الأدب العراقي. فنجد كم من القصائد التي تعبر عن الغضب والحزن تجاه الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، وتدعو إلى التضامن والعدالة. بينما تتناول المقالات النقدية والتحليلية قضايا الاحتلال والتهجير والقمع، وتسلط الضوء على دور العراق في دعم القضية الفلسطينية وتحقيق العدالة.
يجب أن نلاحظ أن هذه المثالية الأدبية ليست محصورة في الأدب العراقي فحسب، بل توجد أيضاً في الأدب العربي ككل. فقضية فلسطين تعد قضية عربية مشتركة تستحق الاهتمام والتعبير الأدبي. فمن خلال الأدب، يمكن للكتاب والشعراء والمسرحيين التعبير عن التضامن والدعم والوعي تجاه القضية الفلسطينية، وتسليط الضوء على الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
في الختام، يمكننا أن نقول إن القضية الفلسطينية تحظى بأهمية كبيرة في الأدب العراقي والعربي عموماً؛ إذ يتناول الأدباء قضية فلسطين من منظورات مختلفة، سواء كانت من خلال الرواية، الشعر، المقالات أو المسرحيات. فمن خلال هذه الأعمال الأدبية، يمكن للكتاب والشعراء التعبير عن التضامن والوعي والدعم للشعب الفلسطيني وقضيتهم العادلة بشكل أعمق.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.