ما زالت المعارك في الجانب العسكري مستمرة بأرض الميدان، ولم يظهر أي تفوق لجيش الاحتلال في المعركة، في وقت تقدم فيه المقاومة الفلسطينية يومياً أرقاماً محددة لمنجزاتها معزّزة بالفيديوهات عما تحققه قواتها في أرض المعركة، في أرقام تُظهر عدم صدق رواية الناطق الرسمي لجيش الاحتلال عن عدد القتلى على سبيل المثال، حيث يؤكد المحللون العسكريون أن معدل عدد القتلى في جيش الاحتلال بعد تدمير 160 آلية عسكرية، يعني في المعدل سقوط ما لا يقل عن 640 ضابطاً وجندياً إسرائيلياً، وفق متوسط حسابي لأربعة أشخاص في الآلية العسكرية الواحدة.
لغة الأرقام ليست افتراضية تماماً في معركة "طوفان الأقصى"، بل هي قريبة جداً من الواقع، وذلك بسبب دعم رواية المقاومة الفلسطينية بالفيديوهات، وهنا يطرح السؤال: ماذا لو لم يستطِع جيش الاحتلال إنهاء قوة المقاومة الفلسطينية؟ هل سيستمر في حرب لا يمكن أن ينتصر فيها؟ هل يستمر في إبادة المدنيين الفلسطينيين وفق ما تبثه وكالات الأخبار يومياً وتوثقه بشكل لا شك فيه ويخلو تماماً من كل المشاعر والقيم الإنسانية في هولوكوست حقيقي للشعب الفلسطيني على أيدي جنود الاحتلال الإسرائيلي، وكل ذلك فقط من أجل نجاح نتنياهو في الاستمرار في المشهد السياسي؟
لذلك فمن المنطقي جداً مناقشة شكل المنطقة في حال فشلت قوة الاحتلال العسكرية في تحقيق هدف المعركة، وبقيت قوة المقاومة الفلسطينية مسيطرة على قطاع غزة، لا بدَّ من مناقشة هذا الاحتمال وفق مجريات الأمور حتى الآن على الأقل، فقتل الأبرياء والتركيز على إسقاط مستشفى الشفاء وكأنه علامة النصر هو خديعة إسرائيلية إعلامية نفسية لا تنطلي على أحد، الاحتلال الإسرائيلي خسر كثيراً بسبب صمود المقاومة الفلسطينية، ومن أشكال خسائره التغير الدراماتيكي في الرأي العام الشعبي العالمي الذي أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تغييره؛ لأنها ببساطة نقلت الحقيقة فقط، ونجحت في إيصال الحقيقة بعيداً عن المعلومات المزيفة التي تبثها الـCNN والـBBC وغيرهما من وسائل الإعلام المسيَطر عليها من الحركة الصهيونية العالمية ويمتلكها رجال أعمال يهود.
أحد الشواهد الاستراتيجية على احتمالية عدم قدرة جيش الاحتلال على تحقيق أهدافه هو ملف الأسرى، وهو الملف الذي يتأرجح منذ بداية الطوفان، وهو ما يؤكد قوة موقف المقاومة الفلسطينية؛ حيث حددت منذ البداية طريقين فقط لا ثالث لهما في التعامل مع هذا الملف، إما حلاً جزئياً بخروج شريحة من أسرى العدو مقابل شريحة مكافئة لها من الأسرى الفلسطينيين، أو تبييض السجون الإسرائيلية من جميع الأسرى الفلسطينيين مقابل إطلاق سراح جميع الأسرى اليهود، ولم يستطِع رؤساء الموساد ووكالة الاستخبارات الأمريكية المدعومون بالإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال في أبرياء قطاع غزة من فرض الأمر الواقع على المقاومة، وبقيت المقاومة صلبة على موقفها.
زاوية أخرى لا بد من أخذها بعين الاعتبار عند التفكير بمرحلة ما بعد الحرب الفاشلة، وهي أن شعبية المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة تحديداً كبيرة جداً ومتزايدة رغم صعوبة ودموية الحرب، ولا شك في أن ذلك يمنع فكرة إعادة إحياء السلطة الفلسطينية في غزة، وهي التي لم تشكل أي موقف إيجابي طوال فترة الحرب الحالية، ليس ذلك فحسب، بل لم يكن لها أي دور إيجابي في رفع الحظر المفروض على القطاع منذ عام 2006، كيف يمكن تجاهل نفوذ وشعبية حركة حماس تحديداً في القطاع؟
عملياً وبعد نهاية القمة العربية والإسلامية وعدم وجود أفق دولي لإيقاف الحرب، فإن الرهان القادم يتعلق بإدراك القيادة الأمريكية عدم جدوى الاستمرار في حرب لا نهاية لها كما تريد، حيث إن استمرار صور وفيديوهات جثث الأطفال والنساء الفلسطينيين وزيادة حجم الدمار لا بدّ أن يؤثر على الإدارة الأمريكية والأوروبية ويؤدي إلى إيقاف الإبادة بأي طريقة.
نرى أن أهم السيناريوهات في المنطقة العربية في حال عدم تمكّن جيش الاحتلال من تحقيق هدفه، وهذا احتمال كبير فعلاً، أن تعيد الأمة العربية تعاملها مع المقاومة الفلسطينية التي أثبتت قيمتها، وهي ورقة قوة تضاف للعرب في التعامل مع الصهاينة، ولا بد من وجودها لدعم الجانب السياسي العربي، فلا يمكن أبداً أن يكون الاحتلال الإسرائيلي صديقاً والمقاومة الفلسطينية الإسلامية عدواً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.