الغزيون في صمودهم وثباتهم ورفضهم لفكرة الاقتلاع والترحيل، رغم سقوط آلاف الشهداء والجرحى وتدمير آلة الحرب الإسرائيلية المصنعة غربياً لمئات الأبنية، كأنهم يستحضرون قصيدة الشاعر توفيق زيّاد "باقون"، خاصةً أبياتها القائلة: " "نأكل التراب إن جعنا.. ولا نرحل.. وبالدم الزكي لا نبخل.. لا نبخل.. لا نبخل.. هنا.. لنا ماضٍ.. وحاضر ومستقبل"."
أنشئت مدينة غزة على تل يرتفع نحو 45 متراً فوق سطح البحر. شهد تطور عمران المدينة بشكل أساسي في الاتجاهات الشمالية والشرقية والجنوبية، بينما لم يمتد النمو باتجاه الغرب إلا في وقت لاحق. وبالتالي، أصبح موضعها الطبوغرافي يتألف من:
- الموقع القديم: يشمل جزءاً من حي الدرج وجزءاً من حي الزيتون.
- المناطق التي امتدت في اتجاه الشرق والشمال والجنوب من التل: تشمل أحياء مثل الشجاعية والتفاح وجزءاً من حي الزيتون. تميزت هذه المناطق بانخفاض ارتفاعها عن سطح البحر إلى نحو 35 متراً جنوب شرقي المدينة.
- المناطق التي امتدت في اتجاه الغرب: تتضمن كثباناً رملية تمت زراعة الأشجار في بعض أجزائها؛ لمنع تقدم الرمال. تُعرف هذه المنطقة اليوم بغزة الجديدة أو حي الرمال.
واجه قطاع غزة احتلالات عدة عبر التاريخ؛ بيد أن الاحتلال الإسرائيلي ومجازره ضد أهل غزة التي نشهد فصولها على مدار الساعة، كان الأشرس والأكثر همجية وفاشية، إذ أمعن في تقتيل الأطفال والشيوخ والنساء، جنباً إلى جنب مع سياسة تدمير ممنهجة للبيوت على رؤوس ساكنيها.
لكن يظل الثابت أن قطاع غزة صمد أمام رياح احتلالية عاتية في التاريخ، فبصمود أهله ومقاومتهم رحل المحتلون وبقيت غزة كما سماها العرب شامخة. وتاريخ مدينة غزة كما كل فلسطين، تاريخ مجيد حفظته ووعته الأجيال المتلاحقة.
عندما احتل الجيش البريطاني فلسطين في عام 1920 بدأت مرحلة احتلال خاصة، فرض فيها البريطانيون قوانين الطوارئ على أهالي المدن والمناطق الفلسطينية المختلفة، ومن بينهم الغزيون، لتبدأ مرحلة استعمارية طويلة مليئة بالقوانين الأشد عنصرية في التاريخ المعاصر.
فعلى الرغم من الانسحاب الإسرائيلي وتفكيك المستوطنات الإسرائيلية من قطاع غزة في عام 2005 بعد احتلال مديد وبفعل مقاومة وكفاح أهلها، فإن الجيش الإسرائيلي جعل منه سجناً كبيراً لأكثر من مليوني فلسطيني، والذين باتوا عرضة لعمليات القتل والاغتيال والتدمير الممنهج بين فينة وأخرى.
ورغم صغر مساحة قطاع غزة التي لا تتعدى 365 كم مربع وهشاشة بنيته التحتية، بقى صمود الغزيين كابوساً مزعجاً للاحتلال الإسرائيلي، لذلك لم تكد تمر سنوات دون قيام حملة عسكرية شرسة للاحتلال الإسرائيلي على القطاع تودي بأرواح المئات، وتدمر بنيته التحتية، فضلاً عن تشديد الحصار الاقتصادي الذي يهدف إلى قتل الغزيين بالبطيء.
هذا الصمود هو ما نراه اليوم، فرغم توحش عدوان الاحتلال الإسرائيلي وهمجيته في ارتكاب المجازر التي يرتكبها على مدار الساعة، لم يمنع الجرح العميق على رفع الغزيين شارة التحدي والتشبث بالأرض.
وهذا ليس بالشئ الجديد، فلطالما كانت غزة أبية مزعجة للمحتلين منذ الاحتلال البريطاني، إن غزة وأولادها المقاومون مدفوعون بمعاناة شعبهم التي نجمت عن سرقة أراضيهم بالجملة، والتطهير العرقي والإبادة الجماعية المتزايدة، نتيجة للمشروع الصهيوني العنصري الذي نشأ حتى قبل إنشاء إسرائيل قبل 75 عاما. لقد حفزتهم عدالة قضية فلسطين والنضال من أجل الحرية، لذا سيظل أهل غزة باقون مابقي الزعتر والزيتون.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.