يستمر الوضع في قطاع غزة دون أي رؤية فعّالة لإيقاف المجزرة بحق الفلسطينيين، فلا نرى غير تعثر في البحث عن حل لهذه المأساة. والذي يتسبب فيها ذلك التعنت السائد من القوى الكبرى والمتجبرة، إذ تواصل تعقيد الجهود الرامية إلى التوصل إلى حل مستدام لهذا الصراع.
في وظل هذا الدعم الغربي اللامحدود والتعنت في إيجاد أي حلول سلمية، تظهر صعوبة التوصل إلى تسوية ناجحة. إذ يفتقد الوضع إلى رؤية واضحة ويغيب الموقف السليم الذي يمكن أن يسهم في إيجاد حل شامل للمشكلة. في ظل هذا السياق، يتساءل البعض عن غياب مبادرات فعّالة وملموسة من الجهات المعنية أو الإقليمية.
من الجدير بالذكر أنه تم تداول أخبار حديثة حول موافقة إسرائيل على هدنة يومية لمدة أربع ساعات، إلا أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي نفت هذه الأنباء بشكل قاطع. يظهر هذا الأمر تعقيد الوضع وعدم وجود تنسيق فعّال للجهود الدولية في إيقاف الحرب.
وفي ظل صمت عالمي، يتساءل البعض عن القدرة على تشكيل جبهة موحدة من قبل الحكومات العربية للدفاع عن حقوق الفلسطينيين. ولكن وكما أشرت في مقالتي السابقة عن مدى التخاذل العربي في دعم الفلسطينيين، بل يصل الأمر للتعاون مع الاحتلال للقضاء على المقاومة.
بل ربما هذا يفسر زيارات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى الدول العربية، والتي لم تأتِ للتشاور بل للتأكيد على موقف الدول العربية المتخاذل والقبول بما تريده إسرائيل، إذ تأتي تلك الاجتماعات بالتوازي مع تصريحاته الرافضة لأي وقف لإطلاق النار في غزة.
وهذا الموقف العربي مفهوم كون حركة المقاومة الاسلامية "حماس" يرجع أساس فكرها لجماعة الإخوان المسلمين، والتي تراه الأنظمة العربية خطراً عليها، ولا يخفى على أحد كيف تسعى تلك الأنظمة لإنهاء الجماعة داخلياً، وعلى المستوى الإقليمي والدولي.
بالعودة للحديث عن حل للوضع الراهن في غزة، أتطرق إلى دور الولايات المتحدة كقوة عالمية رئيسية، حيث تحمل مسؤولية كبيرة في رفض أي بديل للحوار والنقاش من أجل استمرار الحرب الجارية حالياً. إذ يعتبر الأمريكيون الآن أن سير المعارك يسير لصالحهم ولصالح حليفتهم إسرائيل، ويتجلى ذلك في التصريحات الأخيرة للناطق باسم حماس، أبو عبيدة، الذي أكد أن المقاومة تواجه حرباً غير متكافئة، لكنها مستمرة في القتال.
ولا يبدو أن هناك أي أفق سياسي لتلك الحرب غير المتكافئة، إذ إن الولايات المتحدة القوة العالمية الرئيسية تتماهى مع حليفتها مع حكومة الاحتلال المتطرفة وترفض أي طرح للحوار والنقاش حول إمكانية وقف الحرب، إذ ترى أن استمرارها يصب في صالحها، بلا أهداف واضحة ترى أنها قادرة على سحق المقاومة في غزة.
لكن الحرب في رمال غزة ليست بهذه السهولة، إذ تظهر طبيعة الحرب الجارية أنها شائكة ومعقدة للغاية. فبالنسبة للشعب الفلسطيني، تعتبر هذه الحرب جهاداً وكفاحاً من أجل استعادة حق مغتصب في أرض وطنهم، فلا يرون بديلاً، ولا أفقاً غير تقرير مصيرهم وعودة أرضهم الأم إلى أهلها الشرعيين، لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
في المقابل، ينظر الاحتلال الإسرائيلي وحكومته بشكل عنصري وديني متطرف للحرب ورغم ذلك يقف بجواره كل الدول التي تدعي التحضر، فنرى كيف يرى للاحتلال أن اليهود هم شعب الله المختار، ولهم الحق في أرض فلسطين كوطن أصلي.
وأمام هذا التطرف الديني والدعم الغربي اللامحدود يواجه الفلسطينيون في غزة عملية إبادة جماعية، حيث ترفض واشنطن التحرك نحو وقف الحرب، حيث نرى بلينكن مستمراً بمناسبة أو غير مناسبة أينما استقر به الحال في جولاته المكوكية في تأكيده على رفض بلاده لإيقاف النار والعدوان على غزة، ويظهر هذا الرفض كجزء من استراتيجية لإسقاط حماس وفرض تغيير ديموغرافي على غزة، وتهجير أهلها إلى أكثر من دولة.
في ظل غياب رؤية واضحة لإيقاف الحرب نتيجةً للتعنت الأمريكي، تظل غزة تحت تصاعد القصف الإسرائيلي الهمجي والحصار الشديد، حيث تتكاثر المجازر ويزيد عدد الشهداء والمفقودين تحت أنقاض الدمار.
تستمر هذه الجريمة الممنهجة بشكل يومي وصارخ، بدعم لا ينضب من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وغيرها من دول حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، بينما يظل التخاذل العربي قائم معبراً عن حجم تلك الأنظمة العربية وفاعليتها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.