إسرائيل ومفهوم القتل الديني غير المبرَّر!

عربي بوست
تم النشر: 2023/11/11 الساعة 16:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/11/11 الساعة 16:59 بتوقيت غرينتش
Flag of Israel in Jerusalem. Israeli national colors.


قررت بعض الأسر النزوح إلى جنوب غزة حتى نهاية الحرب، بعد الإعلان عن فتح ممرات آمنة من قبل دولة الاحتلال إليها قبل أسبوعين تقريباً، وبعد قطع مسافة طويلة بعض الشيء تفاجأ الجميع بزخات من الرصاص تنهمر من الأعلى، كانوا رجالاً ونساءً وأطفالاً متشبثين بالحياة، إلا أن قدرهم كان أسرع من تصورهم. نُقِلت الصورة على قتلى، بل شهداء متناثرين على الطريق، ذنبهم أنهم غزيون متثبشون بالحياة فقط.

ونقلت صورة أخرى عن آخرين ينزحون أيضاً أثناء كتابة هذا المقال في يوم الجمعة 10 نوفمبر الحالي من الشمال إلى جنوب غزة، علهم يظفرون بالحياة، وتجنب زخات الرصاص والبارود العالمي إلا أن العدو الصهيوني وجدها فرصة لارتكاب مجزرة أخرى غير مبررة (كغيرها) بقصفهم أثناء عبورهم ممر الموت أو الممر الآمن!

يعاجل هذا العالم الساقط الوقت في محاولة لفك أسر 240 أو يقلون من أسرى دولة الاحتلال لدى حماس، ويتجاهلون مليوني إنسان يتخطفهم الموت في كل لحظة وحين، كما ذكرت الخارجية الفلسطينية، بسبب الرشقات الصاروخية المميتة، إلى أن وصل عدد القتلى أكثر من 10 آلاف حسب إحصائيات الصحة الفلسطينية. 

يمكن أن يجدوا مرتزقين بمئات الألوف، وربما بملايين الدولارات ومن المؤكد أن تجد المقاومة ملايين المجاهدين مجاناً دون تكلفة مالية. هذا هو الفرق بيننا، لكننا لا نفعّل قوتنا ونخشى عواقب ذلك، بينما هو في الأساس مآب عالٍ حميد. 

كل عاقل يعلم أن الاحتلال إلى زوال مهما طال أمده ومدته، وأينما كان، والتاريخ يشهد بأن كل أنواع الاحتلال قد زال إلى غير رجعة، بينما تعتقد دولة الاحتلال أنها صاحبة أرض، وهذه هي المغالطة.  

  ودائماً ما يتحدث القادة الإسرائيليون عن نبوءة إشعياء التي تصور الفلسطينيين بأهل الظلام وتصور الإسرائيليين بأنهم أهل النور كما ورد في كلمة نتنياهو لشعب دولة الاحتلال بعد هجوم المقاومة على غلاف غزة وما نتج عنه، وقال في معرض كلمته: "سنحقق نبوءة إشعياء، لن تسمعوا بعد الآن عن الخراب في أرضكم، سنكون سبباً في تكريم شعبكم، سنقاتل معاً وسنحقق النصر".

ولعل دولة الاحتلال تقتل وتزهق الأرواح التي تعتقد أنها شريرة لتنفيذ نبوءات لأنبياء مخترعين لم يتم ذكرهم في القرآن ولم نسمع عنهم في السنّة، وهذا أمر غاية في الطرافة، ذلك أن جميع أنبياء الله الذين أتوا قبل خاتم المرسلين كانوا يثمنون النفس الإنسانية ويعلون من شأنها رغم التزييف الذي دخل على التوراة والإنجيل فيما بعد.

هذا الاستعلاء الهابط من ذهنيات غير سوية، وهذا الاستدلال الذي يذكره رئيس وزراء الدولة الاسرائيلية يجب أن يخيف المتصهينين العرب، يجب أن يتفقهوا جيداً ويعلموا أنهم مستهدفون، حيث تقول التوراة المزيفة التي يؤمنون بها "إن صاحبك هو اليهودي، أما غير اليهودي فغشه قربة"، كما يعتمد الصهاينة على نصوص التوراة التي ذكرناها بالقتل العام أثناء الحروب دون تمييز بين طفل أو شيخ أو امرأة أو حتى أسير.  

ونخلص من ذلك إلى أنه لا يد للصهاينة في مسألة الإبادة التي يتعرض لها أهل غزة، وأقصد بذلك أن العقيدة التي يعتقدونها هي التي تحركهم، وليس الهستيريا والرغبة في القتل والسادية وغيرها من المسميات، هم خطر محدق على الإنسانية جمعاء وليس على العرب أو المسلمين فقط؛ لذا تجد الأوروبيين أنفسهم يتحدثون عن خطر اليهود؛ حيث شبههم المستعرب الإسباني إغناطيوس غوتيريث أستاذ اللغة العربية وتاريخ العالم العربي المعاصر بجامعة أوتونوما مدريد بأنهم شوكة في حلق أوروبا؛ وحض رئيس وزراء بلجيكا إلى معاقبة المتطرفين الاسرائيليين ممن اجترح جرائم توصف بالخطيرة في الضفة الغربية من المستوطنين، وأشار إلى إمكان فرض عقوبات على مسؤولين صهاينة أيضاً ومنْعهم من زيارة أوروبا، بالإضافة إلى العديد من الدول التي تزمع رفع دعاوى قضائية ضدها لدى المحكمة الجنائية الدولية بشأن الإبادة الجماعية في غزة، لأن إسرائيل والعقلية الإجرامية لم تستثن شيئاً؛ فحتى دور العبادة المسيحية لم تسلم منهم، حيث هُدمت أيضاً. إيمانهم بكتاب التوراة المحرّف هو ما يحركهم لاستهداف كل شيء يمتّ لحياة أو ينتصر لأي إنسان غيرهم.
      

يسعون لما يسمونه أرض الميعاد، وهي حجة تستخدمها دولة الاحتلال لجذب اليهود الاستقرار في الدولة المُنشأة حاليا على أرض فلسطين، ولأنها دون حدود مرسومة؛ فإن محاولاتها تحقيق ذلك والسيطرة على الأرض من النيل إلى الفرات تارة وأرض كنعان كلها تارة أخرى قائمة، ورغم أنها مغالطة كبيرة وقعت فيها التوراة، بدليل تحريفها وعدم صدقيتها.

يزداد شهداؤنا؛ فيزداد حب الله لنا، أما الصهاينة؛ فلا يحبهم رب العباد، وما يحدث هو استدراج لهم وبئس المصير، ألا ترون الشهداء يضحكون وقتلاكم يزمون أسنانهم من شدة الخوف؟، ورؤوسهم منكسة نحو الأرض.  

ثم إن موضوع الحرية المزعومة من قبل الغرب حرية هامشية تتعلق بطريقة الحياة فقط، وإذا وصل الموضوع إلى فلسطين؛ فليس للغربي ممارسة كل شيء كما يريد حسب مفهوم الإمبريالية الغربية، حيث يجثو صاحب الحاجة والعوز إلى أوضاع حيوانية واهنة، ومصير خانع للقوة الأكبر والسلطة العليا، على الفرد السير بتوجيهاتها، وعليه الانصياع الكامل والخنوع لها، لذلك نرى التشديد الآن على موضوع التعبير عن القضية الفلسطينية في الدول الغربية ودولة الاحتلال، حيث هو محكوم بقوانين صارمة تمنع الفرد من التفوه وقول ما يريد بحسب ما تهوى الإمبريالية العالمية التي تقف مع دولة الاحتلال على جميع الصُّعد لا بحسب قناعاته، وما تمليه عليه إنسانيته.

أعتقد أن وجود الدبابات الاسرائيلية في غزة حماية أكثر للمدنيين، طبعاً هذه مغالطة لكنه كذلك؛ فوجودهم يمنع القتل العشوائي من الأعلى، ويقرب الأهداف للمقاومة بشكل أكثر، وهذه فرصة للغزيين وليس تقدما حاسما للإسرائيليين.

أكثروا الكتابة عن فلسطين، لا تتخاذلوا عنها، علينا فعل ما بأيدينا حتى يعرف الآخر أنهم موجودون في وجداننا، على الكاتب مهمة قومية؛ فحتى لو انتهت هذه الحرب بغير نتيجة مرضية، فعلينا الكتابة، وأشد هنا من أزر كتّابنا على امتداد المعمورة الكتابة ثم الكتابة ثم الكتابة، زمرة من العرب غير متفرغين لقضايا الأمة ولديهم أهواؤهم ثم قضيتهم الفارغة؛ فهم يتنازعون على السيادة العربية ولم يحسموا أمرهم بعد، بينما هناك من وجدوا مصالحهم لدى الغرب وحسموا أمرهم، لكنهم يمكرون.

ينكفئ الشفق بغيمة وترتبط الحياة بديمة، ثم تؤرجحنا الدنيا وتأخذنا الحياة إلى مستقرها غير المأمون، وتبقى فكرة الوجود والتشبث بالنفَس طبيعة ربانية، والنصر أو الشهادة لا توهبان لغير المؤمن.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سليمان المجيني
كاتب عُماني
كاتب عُماني
تحميل المزيد