على وقع استمرار العدوان على قطاع غزة، وإلحاق المقاومة الفلسطينية الخسائر الفادحة بالاحتلال وجيشه مع التوغل البري، تتلاحق التقارير العبرية والغربية حول واقع الاقتصاد الإسرائيلي، وآثار هذه الحرب "الكارثية" على هذا الاقتصاد، ففي حديثه عن الإجراءات المالية التي ستتخذها وزارته صرح وزير المالية في حكومة الاحتلال المتطرف سموتريش بأن "إسرائيل تواجه أزمة مالية غير مسبوقة"، وبحسب المعطيات لا تقف الأزمة عند قطاع بعينه، إذ ستؤثر الحرب وطول أمدها على العديد من القطاعات الاقتصادية، إلى جانب تكاليفها المباشرة التي وصلت بحسب بعض المصادر العبرية إلى نحو 246 مليون دولار يومياً، وبحسب القناة العبرية الـ12 فقد بلغت تكلفة الأسابيع الثلاثة الأولى من الحرب على غزة حتى الآن نحو 30 مليار شيكل (نحو 7.5 مليار دولار).
وفي هذه المادة نتناول أبرز الخسائر التي تلقاها اقتصاد الاحتلال على المديين القريب والبعيد، من خلال استقراء مجموعة من التقارير والدراسات ذات الصلة:
انهيار الشيكل، وتراجع النمو، وأمور أخرى
شكلت عملية "طوفان الأقصى" ضربة مباشرة للشيكل الإسرائيلي، فقد أشارت مصادر صحفية بأنه خسر نحو 10% من قيمته في الأيام الأولى للعملية، حتى وصل إلى أدنى مستوى له منذ 8 أعوام، وأشارت هذه المصادر أن الحفاظ على سعر الصرف، وتحسنه بشكلٍ طفيف في الأيام التالية لانطلاق العدوان على غزة، ناتجٌ عن تخصيص المصرف المركزي الإسرائيلي ما يناهز قيمته 30 مليار دولار من العملات الأجنبية لبيعها في السوق، في محاولة لدعم الشيكل، ووقف انهياره. وبحسب وكالة رويترز فهي الحالة الأولى التي يضطر فيها المصرف المركزي الإسرائيلي إلى بيع العملات الأجنبية منذ بداية الحروب مع قطاع غزة.
وإلى جانب انهيار العملة، من المتوقع أن تُعاني ميزانية دولة الاحتلال تفاقماً في عجزها السنوي، فقد أعلن وزير المالية سموتريش في 2/11/2023 عن ارتفاع عجز الموازنة من 1.5%، إلى 4% في العام الجاري، بينما سيصل العجز إلى 5% في عام 2024. وإلى جانب العجز، يسجل اقتصاد الاحتلال تراجعاً شهرياً في الناتج المحلي الإجمالي يصل إلى نحو 10 مليارات شيكل (نحو 2.5 مليار دولار)، وستؤدي المعطيات السابقة إلى مشاكل عميقة في الاقتصاد تطول نسب التضخم التي وصلت إلى 6.8%، وارتفاع نسب البطالة، وصولاً إلى تسجيل الاقتصاد الإسرائيلي نمواً سلبياً في العام الحالي والذي يليه.
"مستقبل مقلق".. الاقتصاد الإسرائيلي بعيون المؤسسات الكبرى
ومع استمرار الحرب وتوقف الكثير من قطاعات الاقتصاد في دولة الاحتلال، بدأت وكالات التصنيف العالمية بالحديث عن سوء الاقتصاد والآثار المتوقعة، ففي 24/10/2023 أعلنت وكالة "ستاندرد آند بورز جلوبال" عن توقعاتها لاقتصاد دولة الاحتلال، وأعلنت عن تغييرها من "مستقرة" إلى "سلبية"، وأشارت الوكالة إلى أن استمرار الحرب سيعني تأثيراً أوسع وأكثر وضوحاً.
أما وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، ففي 15/10/2023 أجّلت إعلان تصنيفها لاقتصاد الاحتلال معللة ذلك بالتطورات العسكرية، ولكنها عادت في 30/10/2023 وأعلنت أن "إسرائيل" مقبلة على كارثة اقتصادية، وأعلنت الوكالة أنها أعطت "إسرائيل نظرة مستقبلية سلبية"، وذلك لأسبابٍ عدة، من بينها انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.4% خلال 2024، إضافةً إلى انخفاض حاد في الإيرادات وتضاعف التضخم، وشبهت الوكالة ما يجري مع الاقتصاد الإسرائيلي، بما جرى إبان الانتفاضة الثانية، وحذرت الوكالة من أن الصراع العسكري اليوم يبدو أسوأ بكثير، وهناك قلق من الضرر الذي ستلحقه الحرب في مؤشرات الاقتصاد ككلّ.
ضربة قوية لقطاع التكنولوجيا الإسرائيلي
يشكل القطاع التكنولوجي واحداً من أبرز القطاعات الاقتصادية في دولة الاحتلال، وبحسب مادة منشورة على موقع "صفر"، يشكّل هذا القطاع نحو 18% من حجم اقتصاد الاحتلال، وهو مسؤول عن نحو 290 مليار دولار من ناتج دولة الاحتلال الإجمالي، ما يجعله الأهم مقارنة مع القطاعات الاقتصادية الأخرى، ويعمل في هذا القطاع نحو 508 آلاف عامل وعاملة، ويشكلون نحو 14% من القوى العاملة الإسرائيلية، إضافةً إلى أنه القطاع المسؤول عن نحو نصف الصادرات الإسرائيلية الخارجية، والتي تصل قيمتها إلى نحو 71 مليار دولار سنوياً.
وبعد اندلاع العدوان على قطاع غزة، تلقى هذا القطاع صفعةً قوية، فعلى أثر استدعاء قوات الاحتلال مجنديها من الاحتياط، وحشدها أكثر من 300 ألف جندي، كشفت المعطيات أن ما بين 75 و100 ألف جندي هم من العاملين في شركات التكنولوجيا المحلية، وهو ما يشكّل ما بين 15% إلى 20% من مجمل العاملين في هذا القطاع، وإلى جانب نقص العمالة، تواجه نحو 40% من هذه الشركات صعوبات في الحصول على تمويل بعد إلغاء مجموعة من الاستثمارات أو تجميدها، وبحسب مصادر عبرية فقد اضطرت أكثر من 70% من الشركات التقنية الإسرائيلية إلى تأجيل أو إلغاء مشاريعها.
ومن النماذج التي تقرب صورة خسائر القطاع التقني الإسرائيلي، معرفة أن شركة إنتل الأمريكية التي تصنع المعالجات والقطع الإلكترونية الدقيقة، استثمرت نحو 25 مليار دولار أمريكي في بناء منشأة متطورة لتصنيع الرقائق الإلكترونية متناهية الصغر في دولة الاحتلال، وبحسب المعطيات تقع هذه المنشأة على بُعد نحو 30 دقيقة فقط، من الحدود مع قطاع غزة، ما يعني أن احتمالات وقف العمل في هذه المنشأة وتضررها في مثل هذه الظروف عالية جداً.
وإلى جانب الشركات التقنية، تعاني مجمل الشركات الإسرائيلية من مشاكل مختلفة؛ ففي الأسبوع الثالث من الحرب أجرى المكتب المركزي للإحصاء في دولة الاحتلال كشفاً أظهر أن 65% من الشركات في الشمال والجنوب خسرت أكثر من 50% من إيراداتها. وأظهر المسح أن شركات البناء تتعرض لخسائر ضخمة، فقد بيّن أن أكثر من 62% من هذه الشركات في حالة شبه إغلاق، وأعلن المكتب أن أكثر من 42% من الشركات الإسرائيلية الصغيرة على وشك الإغلاق.
أخيراً، لن تقف الخسائر الاقتصادية عند النماذج التي ذكرناها، بل ستطول قطاعات أخرى مرتبطة بالواقع الأمني على غرار قطاع السياحة، وفقدان اليد العاملة على غرار قطاعي الزراعة والصناعة، وغير ذلك من الجوانب، إلى جانب الآثار العميقة على اقتصاد الاحتلال، وتكاليف الحرب المباشرة وغير المباشرة، والثقة بالاقتصاد الإسرائيلي بشكلٍ عام، وهي نماذج تُعلي من قيمة ما قامت به المقاومة في 7/10، وتؤكد أن "طوفان الأقصى" حالة مراكمة من المواجهة لا تقف عند شكلٍ من أشكال المواجهة، إلى جانب بيان أن الخسائر الفادحة في قطاع غزة في الممتلكات والأرواح، تقابلها خسائر مشابهة في الاحتلال، ومنظوماته الهشة، وبأنها لا ريب ستؤثر على موقعه في الإقليم وقدراته، على الرغم من الدعم الأمريكي والغربي غير المحدود.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.