مع مرور أكثر من شهر على بداية العدوان على قطاع غزة الصامد، أصبح من الواضح أنه لا يوجد أي رادع للاحتلال الإسرائيلي وحلفائه من المعسكر الغربي، من أجل إيقاف حصد أرواح أبرياء؛ إذ أصبح من الواضح أن الاحتلال، خصوصاً رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، لا يريد سماع أحد غير نفسه فهوى مع اضطرابه، لن يتنازل عن مطالبه في توجيه أقوى ضربة ممكنة للمقاومة الفلسطينية وضبط لقيادات حركة حماس، وهو أمر أكثر أهمية بالنسبة لنتنياهو من ملف تحرير الأسرى.
وما زال نتنياهو مصمماً لحسم ذلك الملف وفقاً لشروطه دون شروط المقاومة، التي ترهن إطلاق سراح الأسرى لديها مقابل إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال؛ إذ لا تسيطر عليه فكرة أو رغبة غير القضاء على حماس وشوكة المقاومة في غزة أو ترحيلهم عنها إلى دولة أخرى، فهو يهرب إلى الأمام باعتقاده أن هذا هو السبيل الوحيد للحفاظ على حياته السياسية التي باتت على كف عفريت بعد يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول؛ إذ لا يخفى على أحد سواء داخل أو خارج إسرائيل أن رحيل نتنياهو عن رئاسة الوزراء هو مسألة وقت ليس إلّا.
لكن ما يدعم تعنت نتنياهو في سماع صدى صوته وأفكاره فقط هو الدعم المطلق من الرئيس الأمريكي جو بايدن له وتأييده التام لقراراته الهستيرية، بالرغم من عدم موافقة عدد من الساسة الأمريكيين، بل وحتى الإسرائيليين. بالتالي، يتضح أن أي مسعى دبلوماسي من أجل إيقاف الحرب الدائرة في غزة سيكون مصيره الفشل، طالما لم يقترن بقرارات وإجراءات صارمة يخضع لها الغرب وإسرائيل لقرار إيقاف العدوان الغاشم والهمجي على غزة.
وبما أنه لا نصير للشعب الفلسطيني في قضيته العادلة غير الدول العربية والإسلامية فيمكن اعتبار إحدى أهم الخطوات التي يمكن اتخاذها هي تجميد صادرات النفط من قبل الدول العربية، وبخاصة المملكة العربية السعودية التي تمتلك ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم. وذلك على غرار ما حصل عام 1973 خلال حرب أكتوبر بين الدول العربية وإسرائيل؛ حيث قررت الدول العربية وقف تصدير النفط إلى الدول الداعمة لإسرائيل؛ ما أدى إلى ما يُعرف بصدمة النفط فيما بعد.
دون الخوض في تحليل ظروف ودوافع اتخاذ هذا القرار والتي لا تخفى على أحد، فإنه يمكن القول إن قرار حظر النفط للدول المؤيدة لإسرائيل، الذي اتخذته دول عربية، كان سلاحاً فعّالاً ليس فقط ضد إسرائيل بل أيضاً ضد دول العالم الداعمة لها. حيث أرغم هذا القرار بريطانيا وفرنسا على اتخاذ موقف محايد ورفض استخدام مطاراتها لنقل العتاد العسكري إلى إسرائيل خلال حروبها مع الدول العربية.
كما كان لهذا القرار تأثير سلبي كبير على الاقتصاد الأمريكي، حيث ألغت شركات الطيران الأمريكية 160 رحلة يومياً في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني عام 1973 لمواجهة أزمة الوقود. بالإضافة إلى ذلك، تأثرت قطاعات النقل الداخلي في الولايات المتحدة، حيث واجه أصحاب السيارات صعوبات كبيرة في الحصول على الوقود، وشهدت محطات التزود بالوقود تكدساً كبيراً للمركبات.
تلك العواقب التي نتجت عن صدمة النفط دفعت الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، للضغط على إسرائيل بهدف تسريع عملية المفاوضات من أجل انسحابها من الأراضي العربية. وفي نهاية المطاف، ومع تقدم المحادثات وفض الاشتباك بين مصر وإسرائيل، بعدها بأسابيع قرر وزراء النفط العرب إعلان نهاية حظر النفط يوم 17 مارس/آذار 1974.
ونظراً لتشابه ظروف حرب أكتوبر 1973 إلى حد كبير مع ما يجري الآن في غزة، يطرح السؤال نفسه: لماذا لا تقوم الدول العربية وحتى الدول غير العربية باللجوء إلى استخدام سلاح النفط بهدف حماية أطفال وسكان غزة، خاصة أن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة فشلا في تحقيق هذا الهدف؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.