صنع العالم الغربي لنفسه وجهاً مميزاً جداً، حتى أصبح نموذجاً يحتذى، خصوصاً في أذهان مواطني العالم الثالث، فتم تصوير كل شيء على أنه جميل ولامع، من قوانين وعدالة وحقوق وفرص للحياة وغيرها من المفاهيم، بل إن شباب المسلمين في كثير من المواقف يحلمون بأن تصبح بلدانهم مثل تلك البلاد في أنظمتها وقوانينها وعدالتها، ولكن وكما يقول المثل العربي "الطبع يغلب التطبع"، جاءت معركة "طوفان الأقصى" لتسقط القناع عن الوجه الحقيقي الإجرامي الاستعماري للعالم الغربي.
سلسلة تناقضات وأكاذيب غير متناهية تغلف جميع أحاديث وزير خارجية أمريكا أنتوني بلينكن، منذ دخوله للبيت الأبيض، وتجلت مؤخراً منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ولا يكاد يمر مؤتمر صحفي لا يتحدث فيه بشكل مغاير لحديث سابق له، والأمثلة على ذلك كثيرة، فعلى سبيل المثال، بعد جريمة مجزرة قصف المدنيين في مخيم البريج خرج تقرير من وزارة الخارجية الأمريكية عن عدم الرضا عن ذلك القصف، وضرورة فتح تحقيق فيما جرى، في اليوم التالي كانت نتيجة التحقيق أن جرى قصف المخيم مرة أخرى؛ لكن بعنف أكثر وبكمية قنابل أكبر بكثير، وتمت إبادة عائلات بالكامل، وبذلك سجلت الولايات المتحدة إعلامياً رواية عدم رضاها عن قصف المدنيين؛ لكنها على أرض الواقع مارست أبشع درجات النفاق والانحطاط، ودعمت إبادة أرواح مئات المدنيين الأبرياء!
ويأتي الرئيس الأمريكي ليتحدث في وسائل الإعلام عن جهوده في إقناع قيادة الاحتلال الإسرائيلي بالسماح بمرور المساعدات الإنسانية، وهذا ما يوثقه الإعلام الغربي المنحاز، بينما يدرك الجميع الحقيقة أن واشنطن هي من تملك زمام الأمور، فيما يخص منع دخول تلك المساعدات عبر بوابة رفح.
وقد بدأت الإدارة الأمريكية وحلفاؤها نفاقهم وازدواجيتهم برواية ضالة عن قيام رجال المقاومة الفلسطينية بقطع رؤوس الأطفال واغتصاب النساء اليهوديات، وهي رواية الاحتلال الرديئة حتى في فبركتها، والتي تبناها العالم الغربي، رغم أنهم يعلمون تماماً أنها رواية مغلوطة وعكس الحقيقة تماماً، كما كشفتهم لاحقاً بعض السيدات ممن أخرجتهم المقاومة الإسلامية من الأسر؛ لأنهم في نظر المقاومة هم ضيوف وليسوا أسرى.
إذن لماذا علينا تصديق تاريخهم المعاصر منه والقديم؟ هي سلسلة من البلاد الاستعمارية، بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا والبرتغال وهولندا وغيرها الكثير، أقامت حضارتها وتطورها وقيمها على شلال من دماء وثروات الشعوب، وعندما تمكنت من كل شيء نشرت في آسيا وأفريقيا الفقر والجهل والتخلف، ليس ذلك فحسب؛ بل مكنت من يدير لها كل شيء دون تواجدها العسكري كما كان في السابق.
الحرب الحالية على غزة تحديداً هي مرحلة فاصلة في التاريخ، وكما قيل ويقال، فإن ما قبلها ليس كما بعدها، هي معركة ما بين الحق والباطل، ولا يوجد بينهما منطقة وسط، الرواية الصحيحة هي فقط ما يصدر عن المقاومة الفلسطينية، وهي رواية سقوط جيش الاحتلال الإسرائيلي في المواجهة المباشرة، وعندما يحدث سقوط لجيش الاحتلال فلا يوجد طريق له للعودة، وقد حدث ذلك سابقاً لجيش الاحتلال الفرنسي في ديان بيان فو الفيتنامية بعد حرب استمرت شهرين عام 1954 ومعها انتهى الوجود الفرنسي الاستعماري في آسيا.
أكاذيب الروايات الغربية لم تبدأ في حرب غزة؛ تاريخهم كله مزيف، فقد خسر جيش الاحتلال الأمريكي حرب دانانغ في فيتنام، وجر خلفه أذيال الخزي والخيبة والعار، وقدمت فيتنام أكثر من مليون قتيل فداء لتحرير الوطن في حرب انتهت عام 1973 وتلاها استقالة الرئيس نيكسون في فضيحة "ووترغيت"، ولذلك تعرف أمريكا جيداً معنى أن يخسر الجيش وينكسر، ولذلك جاءت مع كل حلفائها المستعمرين لتعطي جيش الاحتلال الإسرائيلي إبرة الحياة؛ ولكن بعد فوات الأوان، فالشعب الفلسطيني انتصر وما يحدث من قصف شديد العنف يشبه تماماً ما فعله جيش الاحتلال الامريكي عندما قصف هانوي وهايونغ بمنتهى درجات العنف والوحشية ودون أي مبادئ ولا قيم، في محاولة يائسة للضغط على الفيتناميين وكسب انتصارات على حساب المدنيين.
الرواية الحقيقية التي سوف تعترف بها وسائل الإعلام الغربية يوماً ما هي أن رجال المقاومة الفلسطينية في معركة "طوفان الأٌقصى" كانوا على قدر عالٍ من الشجاعة والأخلاق والقيم، وهو جزء يسير مما ما اعترفت به الأسيرات اللواتي تم الإفراج عنهن لاحقاً، وقدمت المقاومة على أرض المعركة دروساً ستبقى خالدة في سجلات الأبطال.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.