عاد الخطاب النازي المتطرف إلى الساحة مرة ثانية، وعادت حكومة اليمين المتطرف برئاسة نتنياهو للبربرية. وبات إلقاء القنبلة الذرية على قطاع غزة هو الحل الأخير لهذه الحرب. جاء هذا الحل على لسان وزير التراث في حكومة نتنياهو، الذي لم يخفِ هذه الآراء النازية عن الرأي العام الإسرائيلي. ويبدو أن مثل هذه التصريحات لم تتوافق مع الدعاية الإسرائيلية في هذه الأيام، وهذا ما جعل نتنياهو يعلّق على تصريحات إلياهو بأنها منفصلة عن الواقع، فهناك أسرى لدى حماس، وهناك جنود للاحتلال يموتون بغزة على أيدي كتائب القسام، بالإضافة إلى تأكيدات رئيس إسرائيل لبلينك بالتمسك بالقانون الدولي.
ولم يجد حل إلقاء القنبلة النووية على غزة قبولاً بين الساسة الإسرائيليين، وهذا ما ساعد على تبني مواقف مختلفة بينهم. فزعيم المعارضة وصف الحل الذي قدمه إلياهو بأنه حل صادم ومجنون وغير مسؤول وأضر بعائلات الأسرى، كما أضرّ بالمجتمع الإسرائيلي وبمكانة إسرائيل الدولية. وانتهى لبيد زعيم المعارضة بأن وجود المتطرفين في الحكومة يعرضها للخطر. وقد علّق وزير الدفاع غالانت أيضاً على حل إلياهو بأنه حل غير مسؤول ومن الجيد أنه غير مكلف لأمن إسرائيل.
ويبدو أن الصدمة لم تقتصر على الساسة فحسب، بل وصلت لعائلات الأسرى الذين طالبوا نتنياهو باتخاذ إجراءات فورية ضد أي وزير يرغب في إيذاء الأسرى لدى حماس. وصدمة عائلات الأسرى سببها حل إلياهو بإلقاء القنبلة النووية على سكان قطاع غزة، فيما اعتبروه دعوة لقتل جميع الأسرى، ولهذا يطالبون بمحاسبته. هذا الحل النهائي كان مثيراً للجدل بين حكومة نتنياهو المتطرفة وبين زعيم المعارضة وبين عائلات الأسرى. ونظراً لاختلافهم حول المصلحة العامة لم يجد هذا الحل ترحيباً، ولو افترضنا عدم وجود أسرى لدى حماس ومطالبات دولية بتمسك الاحتلال الإسرائيلي بالقانون الدولي لاختلف الأمر الآن وتبدلت الآراء، ولكن مجريات الأحداث والخسائر في صفوف الاحتلال وردود الأفعال الدولية أجبرتهم.
تقدير بلينكن لمصر والأردن ووصفهما بالشريكين ليس من فراغ. وهذا التقدير وتلك الشراكة لها أبعاد تاريخية، وقد عبر عنها بلينكن في المؤتمر الصحفي بالعاصمة عمان في ظل اجتماع عمّان/غزة الذي هدف لإيجاد حل لوقف إطلاق النار. بلينكن ينطلق من رؤية إمبريالية، ويتحدث بصفته يهودياً وبصفته سياسياً أمريكياً، وقد جمع بين هاتين الصفتين؛ صفة تبحث عن الأمن الإسرائيلي، وصفة سياسية تستخدم جميع الطرق لتحقيق الأمن لإسرائيل، وتغلب النزعة البراجماتية على خطابه الذي لا تخفى فيه الهيمنة الأمريكية والتعامل الأمريكي مع النزاعات وحروبها في الشرق الأوسط. ومن هذا المنطلق وصفهما بالشريكين على اعتبار المفهوم السياسي للهيمنة والإمبريالية والرؤية الاستعمارية، فهما شريكان لتحقيق المصالح الأمريكية، وهما يتعاونان على تحقيق وجهة النظر الحالية للإدارة الأمريكية وموقفها من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وهذا يتطابق مع تأكيده، يوم السبت، على دعم أمريكا لحق إسرائيل بالدفاع عن نفسها ضد حماس. وانطلاقاً من هذا الدعم تتضح وجهة النظر الأمريكية والموقف الواضح من عدم قبول الإدارة الأمريكية لوقف إطلاق النار بحجة إعادة تمكن حماس من تنظيم صفوفها، وهذا يؤدي لتكرار الهجمات على إسرائيل. بلينكن لم يخفِ خطة التهجير كنتيجة حتمية مترتبة على عدم قبول وقف إطلاق النار الذي يزيد من خسائر المدنيين وقصف قطاع غزة، ومع توغل جيش الاحتلال بغزة تصبح خطة التهجير واضحة، وهذا ما تسعى إليه الإدارة الأمريكية التي تساند الاحتلال على تحقيق أهدافه وفصل الشمال عن الجنوب، ومن ثم فتح ممرات إنسانية آمنة جنوباً لأغراض إنسانية، كبداية للتهجير الذي صرح به كيربي قبل أيام من الآن.
ليس هناك فرق بين حل القنبلة النووية الذي جاء به إلياهو وبين تأكيدات بلينكن على مساندة إسرائيل في حق الدفاع عن نفسها ضد حماس، ويترتب على الدفاع عدم وقف إطلاق النار، وبالتالي السماح للاحتلال الإسرائيلي بمواصلة ارتكاب المجازر بغزة، وآخر مجزرة كانت قصف مخيم المغازي الواقع وسط قطاع غزة.
بين حل القنبلة الذرية وحق الدفاع وعدم قبول المطالبة بوقف النار فرق واحد؛ فاللغة التي استخدمها إلياهو هي لغة نازية وتنبع من الأيديولوجية الاستيطانية المتطرفة التي ينطلق منها إلياهو، وعبّر عنها بوضوح أن الحل هو إلقاء القنبلة الذرية على قطاع غزة، بينما بلينكن عبر عن هذه الغاية بأسلوب دبلوماسي وخلفية ديمقراطية حاول التعبير عنها بجملة مفادها أن سحب الطفل الفلسطيني من تحت الدمار أمر مؤلم للجميع؛ وهذا لا يتعارض مع إدارته التي سمحت للاحتلال الإسرائيلي بقصف المخيمات وإلقاء القنابل الفوسفورية.
وبالعودة للموضوع؛ يبقى القتل هو نفسه، والفرق الجوهري في أداة القتل. الموقف المتطرف للاحتلال الإسرائيلي يتبنى أبشع أداة للقتل ولو كانت القنبلة النووية، وتصريح إلياهو أخرج هذا الحل من الاجتماعات السرية للمؤسسة العسكرية وأذاعه على الملأ، وهو يؤكد السلوك الهمجي للاحتلال الإسرائيلي واستهداف مخيمات اللاجئين بالقطاع وقصف النساء والأطفال. والإغارة بالطائرات الحربية على المرضى وقصف المستشفيات فوقهم ودكهم بالقنابل الفوسفورية غير النووية.. ذلك هو الفرق.
وبلينكن كذلك عبّر عن هذه الغاية ولكن الأداة التي اختارها هي أداة مختلفة تحقق الغاية، وهي القتل. وقد ظلل غايته هذه بكلمات إنسانية يراعي فيها الوزراء الشركاء ويسحبهم للمساعدات الإنسانية وضرورة حماية المدنيين، مع التأكيد على مساندة إسرائيل في حق الدفاع عن نفسها وعدم الموافقة على الدعوات المطالبة بوقف عاجل لإطلاق النار بغزة. إذاً لا يوجد فرق بين القتل؛ والفرق الوحيد هو في أداة القتل. الحل الأول إلقاء قنبلة نووية على غزة، والحل الثاني قتلهم بشكل جماعي بأداة بسيطة مع تهجير ما تبقى منهم إلى سيناء. الحل الأول تبناه إلياهو وزير التراث الإسرائيلي، والحل الثاني عبّر عن مضمونه بلينكن.
ومن وراء المطالبة بإلقاء القُنبلة الذرية على غزة كحل نهائي، ومواصلة إسرائيل حق الدفاع عن نفسها وعدم قبول وقف إطلاق النار، تُرفرف اعترافات أوباما على حرب غزة، ويتخذ موقفاً شبه صارم من الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، ويلقي اللوم على آلاف الموظفين السابقين في إدارته ويصفهم بالتواطؤ فيما يحدث الآن بقطاع غزة. ويحاول إبراز رأي سياسي معتدل يتخذ منه موقفاً وسطياً بين حماس وإسرائيل، وببراعة يوهم أوباما بالنزعة الإنسانية، بينما يساند الاحتلال قلباً وقالباً.
قد يتبنى بعض المنبهرين بالديمقراطية الغربية اعترافات أوباما، ويجدون أعذاراً لإدارة بايدن، ويعجبون ببلينكن وموقفه، وقد يقودهم هذا الإعجاب إلى التطرف، فيتبنون تصريحات إلياهو وينتصرون للاحتلال. ولكن التجمعات الإنسانية الكبيرة أثبتت للعالم حجم التضامن الكبير مع القضية الفلسطينية وسكان غزة، وخير مثال على ذلك مظاهرات لندن وحشود واشنطن المزدحمة المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، وتتوسع الحشود لمظاهرات العاصمة الإندونيسية جاكرتا والدعم التام لغزة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.