دعوة إلياهو لضرب غزة بقنبلة نووية.. حرب نفسية أم همجية استعمارية؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/11/07 الساعة 13:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/11/07 الساعة 13:25 بتوقيت غرينتش
وزير التراث في حكومة الاحتلال الإسرائيلي - عميحاي إلياهو

ماذا يفعلون الآن؟  

إنه هوس بالدمار والقتل والتنكيل، لم يكتفِ "عميحاي إلياهو"، وزير تراث الاحتلال، هو وباقي حكومته بقتل أكثر من 10 آلاف كلهم من المدنيين، ولم يكتفِ بدك منازل وبنايات السكان العزل بما يوازي قنبلتين نوويتين (أي 10 كيلوغرامات من المتفجرات لكل شخص تقريباً)، بخلاف استخدام الأسلحة المحرمة دولياً كالقنابل العنقودية والفسفورية، كما ذكر المرصد الأورومتوسطي.

النفسية التي يتعامل بها الاحتلال تجاه غزة تثير الجدل والاهتمام؛ ففي الوقت الذي يصرح فيه مسؤول بمرتبة وزير بإلقاء قنبلة على غزة، تأتي الدوائر السياسية للاحتلال لتُحرم الوزير من اجتماعات الوزراء بسبب تلك التصريحات، وهو ما يعني ثلاثة احتمالات، إما أنه أفشى سراً كان قد طُرح باجتماعات الوزراء، أو أنه متطرف بشكل أكبر، خصوصاً أنه من حزب "القوة اليهودية"، وهو حزب يميني متطرف، والاحتمال الثالث أنه أمرٌ متفق عليه كنوع من الحرب النفسية على حماس والمقاومة الفلسطينية بشكل عام. 

طالما تعمَّد الاحتلال استخدام العديد من الاستراتيجيات النفسية لتحقيق أهدافهم في غزة، وربما يكون هذا التصريح واحداً منها يهدف من خلاله بهجمات مستمرة على نفسية الفلسطينيين، لتدمير روح الفلسطينيين في قطاع الضفة الغربية، بالتوازي مع القصف الدائم لتدمير للبنية التحتية.

إذ يهدف الاحتلال إلى إحداث انهيار معيشي ونفسي بين السكان في غزة، من خلال تضييق سبل العيش باستهداف كل ما يمُت للحياة بِصِلة كالمخابز والمياه وصفائح الطاقة للتوليد الكهربائي وغيرها، وكذلك خلق جو من الخوف والقلق المستمر حتى الاستسلام بالنزوح القهري خارج غزة، يستخدمون العنف والتهديد لترويع الفلسطينيين وإيجاد حالة من الانكسار لديهم.

إضافة إلى ترويج الأفكار النمطية، وإظهار الضعف والمسكنة، ومحاولة التأثير على الرأي العام الدولي ضد سكان غزة عن طريق الآلة الإعلامية الغربية، لذا قال "عميحاي" إن كل واحد في غزة هو مسؤول، وهو هدف، وإن السكان المدنيين لا يختلفون عن حماس. 

لم تكن هذه محاولتهم الأولى لتشتيت سكان غزة؛ فأبعاد الإقصاء قديمة يتعاطاها الاحتلال بقصد عزل غزة، من خلال التضييق الشديد على معيشة السكان، وما التضييق عليهم في كل شيء إلا محاولة لإبعادهم عن الحياة اليومية والحقوق الأساسية؛ فتقييد حركة السكان وعرقلة الاقتصاد (حرق المحاصيل الزراعية وفرض استحكامات على التجارة بشكل عام)، وتقنين التنمية والتطوير في كل القطاعات المدنية، ثم ممارسة القمع والظلم والاعتقالات على السكان في غزة وفي عموم فلسطين ما هو إلا صورة بسيطة منه. 

يبدو أن الطرح الذي لم يُخفِه وزير تراث الاحتلال للمستمعين عبر قناة "كول بيراما الإذاعية"، يعبِّر عن أقصى أنواع الكره والمقت لأهل غزة وربما المسلمين جميعهم، لكنه غير قابل للتنفيذ؛ ذلك أن الأمر لن يتوقف على أهل غزة فقط، بل سيكون وبالاً على دولة الاحتلال نفسها، خصوصاً أن دولته قامت بخلق بعض الجيوب المفتوحة من خلال التفجيرات التي قيَّضت وجود مناطق مفتوحة يوم أن مسحت مباني غزة عن بكرة أبيها وسوَّتها بالأرض، الأمر الذي سيسمح بدخول السموم إلى مواطني دولته، حتى إن رئيس وزراء الاحتلال عبَّر عن حديث وزير التراث "عميحاي" بأنه غير عملي، وكما قال: إن كلام الوزير منفصل عن الواقع. 

وهذا ليس أول تصريح هيستيري من نوعه، ففي 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، دعت عضوة الكنيست، تالي جوتليف، الجيش الإسرائيلي إلى "استخدام السلاح النووي" في غزة، رداً على هجوم المقاومة.

النفسية الاستعمارية المتعالية والمغالية 

ترتبط تصريحات "عميحاي إلياهو" بعقيدة راسخة وبمجموعة معتقدات ومفاهيم مرتبطة بالثقافة الاستعمارية والتطرف الديني، معتقدات ومفاهيم تُعلي من شأن النفس، بل تغالي في هذا الاستعلاء إلى التكبر، حيث يفهم بعض الإسرائيليين أنهم يتمتعون بمكانة خاصة عند ربهم، وأن الشعب الإسرائيلي فريد بطبيعته، وهذا قد يتجلى في التفاخر والتكبر الذي نستشعره من خلال تصريحات مسؤوليهم، وبعض مواطنيهم. 

يؤثر هذا الاعتقاد بشكل أساسي على ترجيح ما يعتقدونه بأفضليتهم؛ ما يشكل جانباً خطيراً يؤثر على السلوك الشخصي والمجتمعي لدى الاحتلال، ويمكن أن ينتج عنه سلوك غير متوافق مع القيم العالمية المشتركة والاحترام المتبادل، كما يحدث الآن من إبادة لسكان أهل غزة، واعتداء بعض المستوطنين الإسرائيليين على المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية والتضييق عليهم في تحركاتهم، وربما سلب أموالهم دون احترام لقوانين عالمية وقرارات أممية طالما ضرب بها الاحتلال عرض الحائط.

تجدر الإشارة إلى أن النفسية المستعمرة المتكبرة المتعالية والمغالية ليست سمة عامة لكافة اليهود خارج إسرائيل، وهذا معروف لدى شريحة عريضة من الشعوب، لذا؛ فهو ليس طابعاً أو صفة شاملة، بل هي استثناء لإسرائيل، وهذا لا يعكس الصورة المأخوذة عن كل اليهود في العالم، بدليل مجموعة من اليهود في الخارج وداخل دولة الاحتلال كانوا ضد الإرهاب والهمجية التي تمارسها دولتهم المزعومة في غزة، وهي صفات متطرفة ضد قيم الاعتدال والتسامح. 

كيف نتعامل مع حِيَل الاحتلال النفسية؟

مع تزايد وتيرة الحرب وظهور التحديات المعيشية التي تواجه أهل غزة يتصاعد الجدل والتوتر مع تصريحات الاحتلال الهستيرية المعتادة، وهي معروفة في إطار عدوان الاحتلال على غزة، ورغم ذلك قد تثير تلك التصريحات الاستياء والغضب لدى الفلسطينيين والشعوب العربية.

والحقيقة أن التعامل مع تصريحات الاحتلال في حرب حساسة كتلك تتطلب ردود فعل مدروسة بعناية تامة، فلا نستغرب أبداً أن تصريحات الوزير السابق الذكر كنوع من الحرب النفسية باتفاق جميع الأطياف في دولة الاحتلال.

لذلك، يجب التعامل مع تصريحاتهم بحذر شديد، وعدم تشتيت أذهاننا، بل يمكننا الوقوف على المعلومات والأدلة القوية التي تنمي وعينا لمعرفة استحالة استخدام القنبلة الذرية على الأقل ذات القطر العالي، ومن ثمَّ سيجعلنا ذلك لا نتشتت عن الحرب الإعلامية التي تتطلب منا نشر الوعي بما يحدث أثناء الحرب وتوضيح حقائق المعاناة اليومية والدمار بالصور والفيديو وبأي وسيلة يمكن أن تصل للعالم، من أجل تحييد الآلة الإعلامية في الخارج بقدر الإمكان، لكي لا تستمر في بث حقدها على أفراد المقاومة، ولكي نستمر بتطوير سرديات أعمق بشأن القضية الفلسطينية.

ما شعور الاحتلال لأهل غزة؟

إن حصار غزة اليوم وما نشهده من التحكم في مخارجها ومداخلها أمام صمت العالم يبرهن على قوة ذلك الشعب ورباطه المتين، فقد أدى إصرار أهل غزة لاختيار الحرية وامتلاك مصيرهم، لردة فعل معقدة لدى الاحتلال وإحساس باليأس، فبينما يشعرون بالجفاء والعداء تجاه الفلسطينيين في غزة نتيجة للحتمية التاريخية والبون الذي لا ينتهي، يحاوطهم أيضاً الشعور بخيبة الأمل لاستمرار هذا الوضع؛ فغزة أصبحت كالعظم في البلعوم بالنسبة لهم بفعل الحصار والتكلفة العسكرية المستمرة.

فبالنظر للنقاشات التي تدور بين قادة الاحتلال نجد قدراً كبيراً من التباينات والاختلافات في وجهات النظر، وهو ما يوضح مدى التخبط الداخلي؛ إذ يعكس تعقيدات المأزق الحالي، وهو ما يتضح من خلال الأخبار التي ترد من هناك أثناء مناقشة خيارات الحرب في غزة، خصوصاً قبل الاجتياح البري الذي تم تأجيله أكثر من مرة.

بالتالي يجب علينا استغلال ذلك، بزيادة الوعي والتضامن مع الفلسطينيين في غزة ومكافحة الممارسات النفسية للاحتلال بالحكمة والتعقل، وعدم الاستهانة برسائل المقاومة عبر وسائل التواصل، وتعزيز الوعي العربي وحتى العالمي؛ إذ يمكّننا من رسم صورة حقيقية للواقع الذي يعانيه الشعب الفلسطيني والصمود في وجه الاستعمار الإسرائيلي.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سليمان المجيني
كاتب عُماني
كاتب عُماني
تحميل المزيد