لقد عوَّدنا الجيش الإسرائيلي أنه لا يتحمل الحروب الطويلة، وإذا لم يحقق أهدافه في الأيام الأولى، فلن يرى بعد ذلك إلا الهزائم المتوالية، وبمزيد من المكابرة فسيصبح عدوه الأول هو الزمن، والأيام والآفات ستقضي عليه.
فأسطورة جيشه الذي لا يُقهر تتحطم مع كل حرب جديدة، وإجرامه ينكشف مع الأيام، ومعركته تتسع رقعتها إلى المجتمع الإسرائيلي الذي لا يتحمل صوت الصفارات ولا سماع دوي الانفجارات، ومشاهد استقبال جثامين جنوده كل يوم.
لم يُحاشِ القصف الهمجي أسْراه المحتجزين في غزة، والكيان يطبق عليهم بروتوكول "هانيبال" الذي يسمح بقصف مواقع الأسرى من جنوده، وهو يمثل جوهر العقيدة الإسرائيلية وشعاره: "الجندي القتيل أفضل من الجندي الأسير".
إن عائلات الأسرى اليوم خصمها الأول هو حكومة نتنياهو التي تطبق هذا البروتوكول، الذي وصفه معارضوه بالخيار الوحشي. وليس كتائب القسام، التي تحتفظ بالأسرى وتحافظ على حياتهم: "لا تقتلوا أسيراً"، وتطلق سراح المسنين، وتعرض المفاوضات من أجل صفقة متوازنة.
وعبّر عنه زعيم المعارضة، يائير لابيد بأن "الكيان المحتل ليس مكاناً آمناً، ودولته ليست أخلاقية، ولا قوة إقليمية، ولم تربح الحرب، وسندعم تحرير الرهائن بأي مسار كان للمداولات".
أما الشعب الفلسطيني فقد صنع أسطورة بِصَبْرِه، ولم يُحَمِّل الكتائب يوماً تكلفة الحرب الباهظة، ولم يُقل إن حماس ورَّطتنا، ولم نرَ في فضائية واحدة رصداً لاحتجاج واحد ضدها، إلاَّ غضباً على الكيان المحتل والمتخاذلين.
لكنها رصدت مواقف خالدة، من كلام الكبار على ألسنة الصغار، وحديث الأبطال على ألْسِنَة الكبار، رصدت آيات الصبر، ونشيد النصر، وقصص الفخر، ولوحات رُسِمَت عليها صُور بزوغ الفجر، القريب إن شاء الله.
أما نتنياهو فهو يفقد صبره هو وجنوده كل يوم، ويصيحون مئة صيحة في الساعة، مع سماع صفارة إنذار، ورؤية سلاح جديد مبتكر.. فلم تعد الجُدُر ولا الدُروع تقيهم، ولا الدبابات ولا القبة تحميمهم.
ويفقدون صبرهم مع كل بسمة طفل وهو يخرج من بين الركام، وحديث امرأة تزن الكلام.
ويرى شعبه في اعتصام جديد بعد كل اعتصام، وحكومته في انقسام وراء انقسام.
إنها الرصاصات الكاتمة التي تخترق جسمه وتقتله في صمت.
لكنه الغرور والمكابرة، وهو على يقين بأن الصَيْحة الأولى له، والثانية عليه، والأخيرة في الزنزانة، على يدي شعبه.
لنقول أخيراً:
بأن القتل المنفلت والممنهج، وتَعَمُّق الكيان في المأزق العسكري، لم يُحقق انتصاراً عسكرياً حقيقياً، فما زالت المقاومة بخير، تُبَاغت العَدو متى شاءت وكيف شاءت.
واستطاعت بحكمتها وطول صبرها، أن تُنَفِّس عن كل قرارات الكيان الحمقاء، وتكسر كل خطوطه الحمراء:
فمع تطور الأحداث، يعجز الكيان عن سحق حماس، وأيقن أن هذا لا يتحقق إلى على جثث مئات الآلاف من المدنيين. وقد عبَّر عن حالة العجز هذه وزير الآثار وهو يُحرِّض على إطلاق قنبلة نووية.
وعجزه عن تهجير أهل غزة، أو عملية "الترنسفير"، وقد حددت الولايات المتحدة عدد النازحين الذين تستقبلهم كل دولة، لكن هذا الطلب جوبه بالرفض من الدول العربية.
وعجزت عن تعبئة الرأي العام الداخلي الإسرائيلي والدولي، تصرفه الأرعن برفض الهدنة الإنسانية، والتفاوض على قضية الأسرى، وهي اليوم تخسر أكثر من 120 دولة تدينها وتسحب سفراءها.
لنؤكد أن قادة العالم "الحر" بدأوا أيضاً في الصراخ، وليس قادة الكيان فقط.
وأن "كتائب القسام"، يُكَبِّرُون ولا يَصْرُخون، ويَهَلِّلون ولا يُخَنْخِنُون، مثل جنود الاحتلال.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.